الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فقال عليه الصلاة والسلام: (وإني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي).
إن كتاب الله دستور -إن صح اللفظ والمصطلح- لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، واعقد مقارنة بين كتاب الله وبين حثالة عقول البشر منذ أن أرسل الله تعالى رسوله إلى قيام الساعة أو إلى ساعتنا هذه، فلا تجد قانوناً من القوانين الأرضية لا يمر عليه عام إلا ويبدل أو يغير أو يحذف منه أو يزاد عليه أو يثبت بطلانه أو غير ذلك، فهل تجدون شيئاً من ذلك في كتاب الله؟! حاشا وكلا، فكلام اللطيف الخبير الذي خلق الخلق، وهو أعلم بما يصلحهم وما يضرهم، فأمرهم بالتمسك بهذا الكتاب، قال عليه الصلاة والسلام: (كتاب الله هو حبله المتين، طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به، وعليكم بسنتي).
وانظروا أيضاً إلى الوصية الجامعة كما عند الترمذي وأبي داود بسند صحيح عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال: (وعظنا النبي صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة -ذات غداة- ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله! لعلها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة -لأهل العلم والأمراء ما داموا موحدين- وإن تأمر عليكم عبد حبشي مجدع الأطراف، وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ) فقد أمرنا بتقوى الله، والسمع والطاعة لمن أمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر من السلاطين والحكام والأمراء والعلماء، ثم بين النبي عليه الصلاة والسلام أنه ربما يكون هناك من السلاطين عبيد، مع أن العبد لا يتولى إمرة الحر، لكن النبي عليه الصلاة والسلام يضرب أسوأ الفروض ويمثل بها، وفي هذه الحالة يجب السمع له والطاعة من باب حقن الدماء، ولذلك قال: (فاسمعوا له وأطيعوا)، ثم قال: (وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ)، فيه حض وحث وأمر، ثم يأتي الشق الثاني من النصيحة مشتملاً على التحذير فيقول: (وإياكم ومحدثات الأمور)، أي: البدع والأهواء المضلة والفتن المتلاحقة، (فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، نعم، فلا يستقيم الأمر إلا بالتقرب إلى الله بأخذ ما أمر، والابتعاد عما نهى عنه وزجر، وهذا هو دين الله عز وجل، وهذا هو الحلال والحرام، وأعظم ذلك العقيدة الصحيحة التي كان عليها السلف، أما رأيتم أن أهل البدع إذا ما وجدوا أحداً يكفرونه أو يفسقونه أو يضللونه استداروا على أنفسهم فكفروا أنفسهم؟! لأن أخلاقهم قد جرت على التكفير والتفسيق والتبديع بغير حق، أما أهل السنة والجماعة فلا يكفرون إلا من استحق التكفير بعد توافر الشروط وانتفاء الموانع، وهذا هو منهج أهل السنة والجماعة، وهو ما يشهد به القرآن والسنة، أما غيرهم فيأتون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، وهذه ميزة أساسية تميز أهل البدع عن غيرهم، إذ إنهم يسبون ويشتمون أهل السنة والجماعة؛ ولذلك قال الإمام أحمد بن حنبل: إذا رأيت الرجل يسب أهل الحديث فاعلم أنه زنديق.
لأن أهل الحديث هم الطائفة المنصورة التي قال فيها النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك).
ولما سئل الإمام أحمد عن تلك الطائفة المنصورة الظاهرة قال: إن لم يكن هم أصحاب الحديث فلا أدري من هم؟ وعليه فإذا رأيت الرجل يقع في أهل العلم وفي أهل السنة والجماعة فاعلم أنه على غير الهدى المستقيم، وأنه على غير صراط النبي عليه الصلاة والسلام.
لذا نجد في بلاد الحجاز من يسب العلماء وطلاب العلم، كما نجد في مصر من يسب أهل العلم وطلاب العلم، ويزعمون أنهم هم السلفيون، فأي سلفية هذه؟! وأي دين هذا؟! وأي أخلاق هذه التي تبيح لهم السباب؟! والعجب أنهم يطلقون على أنفسهم علماء الجرح والتعديل، وفي الحقيقة هم -والله- علماء السباب والشتائم والجرح وليسوا من أهل التعديل، بل إنهم من ساقطي العدالة، فلا وزن لهم ولا كرامة حتى يرجعوا إلى عقيدة ومنهج السلف في الآداب والأخلاق، لذا فإن الذي يتقرب إلى الله بسب أهل العلم وشتمهم، في الوقت الذي يثني فيه على أهل الباطل وأهل الفساد إنما هو على دين أهل البدع والأهواء، ومن قال بغير ذلك فهو ملحوق بهم تابع لهم، وإني أدعو هؤلاء جميعاً، سواء في اليمن أو في مصر أو في بلاد الحجاز، وإن شئت فقل: في أمريكا وأوروبا؛ لأن تلاميذهم قد انتشروا انتشار النار في الهشيم، والبدعة سهلة على القلوب، والسنة ثقيلة على القلوب؛ لأنها تكليف بشيء ثقيل، ولذلك سمى الله تعالى التكاليف الشرعية والأحكام الشرعية تكاليف فقال: {لا يُكَلِّفُ