ثم قال عليه الصلاة والسلام: (واتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)، قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19]، وقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (النساء شقائق الرجال) في كل شيء، إلا في شيء خص الله به النساء أو خص الله به الرجال، أما تلك الدعوة المسعورة هنا وهناك بالتسوية والمساواة بين الرجل والمرأة، فهل يستطيعون أن يسووا بين الرجل والمرأة في الحمل والنفاس والرضاع والجهاد وغير ذلك من أحكام الرجال؟! يجب على هذه الألسن أن تخرس، وهذه الأقلام أن تكسر، فهذا هو دين الله، فإما أن تكسر هذه الأقلام وتخرس هذه الألسنة بالأدب وبالذوق وبسحب النائم كما يقولون، وإما أن تكسر بالقوة والشكيمة، إن لم يكن في الدنيا فلا أقل من أن يكون ذلك في الآخرة، فيقذفهم الله تعالى في نار جهنم غير مبال بهم.
إن هؤلاء الذين يحاربون دينه بالليل والنهار حتى لا يكاد يجد الدعاة إلى الله وأهل العلم فرصة لتعليم الناس أمر دينهم، بل أصبحت معظم هذه الدعوة إلى الله ما هي إلا ردود أفعال، وردوداً على الشبهات، وما صرنا نتفرغ لتعليم الناس أمر دينهم، وما يكاد يمر يوم علينا إلا وتطرح شبهات وشبهات تحتاج إلى رد لعصمة الناس وحماية الناس وحفظ الناس من الاندراج في هذه الشبهات وتلك الأهواء والآراء، وما صرنا نجد وقتاً لطلب العلم أو لتعليم الناس، فأرهقونا وأنهكوا قوانا، والسبب في ذلك غياب الحارس، إذ لو كان الحارس قائماً بأمر الله لأخرست تلك الألسنة، وكسرت تلك الأسنة والرماح الباطلة.
وقال: (فاتقوا الله في النساء)، وانظروا إلى كلمة: (اتقوا الله)، فالمؤمن التقي يقف عند هذا التنبيه، ويعلم أنه قادم على النار إن ظلم؛ إذ التقوى: أن تتقي عذاب الله، وأن تتقي نار الله، لذا فهم السلف ذلك ففازوا ونجوا، فهذا عمر رضي الله عنه عندما يكون في ثورة غضبه إذا قيل له: اتق الله يا عمر وقف وربما بكى؛ لأنه يعلم من هو الله، ويعلم من يتقي وماذا يتقي؟ بينما الواحد منا يأخذ هذه الكلمة بسخرية ضحك ولعب واستهزاء، وهي كلمة عظيمة ينبغي أن يتوقف عندها البدن ويخشع لها القلب ويذل وينكسر.
قال: (فاتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم)، أي: أسيرات عندكم، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (علام يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، فلعله يضاجعها من الليل؟!)، وقال عليه الصلاة والسلام: (علام يجلد أحدكم امرأته جلد الأمة، فلعله يطلبها من الليل؟!)، فأنا لا أتصور رجلاً صالحاً مؤمناً تقياً يتقي الله في نفسه ويضرب امرأته بالنهار ثم يطلبها للفراش بالليل، إن هذا ليس من شأن الحيوانات والله، فضلاً أن يكون هذا من شأن الآدمي أو المسلم أو المؤمن التقي.
قال: (فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله).
قوله: (بكلمة الله) أي: بالإيجاب والقبول، قال تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3]، فهذه امرأة طيبة طابت لك، وطيبها الله تبارك وتعالى لك، فلا تكن أنت فتنة لها وسبباً في بعدها عن دينها.
ولكم عليهن ألا يدخلن بيوتكم من محارمهن أحداً، لا من الرجال ولا من النساء إذا علمت صراحة أو ضمناً أنك تكره هذا الشخص أو تكره تلك المرأة، وإن كان من محارمها فإنه لا يحل لها أن تدخله إلا برضاً منك، وإلا فهذا من المحرمات عليها (ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه) ومن حمل ذلك على الأجانب فقد أخطأ خطأً فادحاً؛ لأن المرأة لا يحل لها أن تدخل أحداً من الأجانب حتى وإن رضي زوجها بذلك، هذا من المحرمات وعلى ذلك الإجماع انعقد.
قال: (فإن فعلن ذلك) وخالفن ما تحبون وما تكرهون (فاضربوهن ضرباً غير مبرح)، والتبريح ورد في رواية عند أبي داود: ألا تشق رأساً وألا تكسر عظماً.
وإنما ضرب للتأديب كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعله مع عائشة أو غيرها، فيضربها بسواكه أو ينهزها بيمينه، قالت عائشة: (نهزني النبي عليه الصلاة والسلام في جنبي أو في منكبي نهزة أوجعتني) نهزة يسيرة، فما بالك بمن يجلد امرأته كما لو كانت قد ارتكبت حداً من الحدود؟! نستغفر الله تعالى مما كان، ونستغفر الله تعالى جميعاً مما كان، ونعاهد الله تعالى جميعاً أن نحسن فيما بقي من أعمارنا رجالاً ونساءً.
قال: (اتقوا الله في النساء)، (فأيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة)، وقال: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها يوم القيامة