العقيدة السلفية منهم وإيثار الأوراد النبوية المأثورة على غيرها، مخفف الوطأة غلو الاعتقاد منهم، وتدريسه في أسفاره أكثر منه في حضره، فقل موطن حل فيه في المشرق والمغرب ألا ودرس فيه وأملى وأفاد وأبدا وأعاد، شغفه بالدراسة والمطالعة فوق كل شغف وعاطفة، قوي الحافظة فصيح التعبير سيال القلم، لم نر ولم نسمع في زماننا هذا بمثل شغفه بالمطالعة، لا يملها وإن ملته. هي أول أعماله صباحاً وآخرها مساء، لا ينام إلا غلبة وكراسته في يده الشريفة.
وبالجملة فالأستاذ كبير في عقله، كبير في علمه، كبير في عمله، قد زاده الله بسطة في العلم والجسم والقدر والشأن، فهو الشامة البيضاء اليوم في جسم الإسلام، والغرة الوضاحة في جبين العصر، والإكليل المنضد على هامة الدهر، راوية العلم وخزانة الآداب وبحر المعارف، وشمس الذكاء والنبل، وهو الرجل علماً وعملاً، الصحيح ديناً القوي أملا، وهنا أتمثل بقول الشاعر الكريم:
مدح العظيم عظيم المدح لو قدرت ... مني السجايا عليه كنت مبديه
فما بدا لي منه ليس يقنعني ... وما يقنعني عجزت أبديه
فرب مدح عظيم كان عجزك عن ... إبدائه هو عين المدح تبديه 5 - مكتبته:
جمع مكتبة سرت بحديثها الركبان من أقاصي الشرق إلى أقاصي الغرب بهمته العالية وولوعه العجيب في هذا الباب، وخدمه السعد في ذلك أكبر الخدمات وأجملها. رتبها ونظمها ترتيباً عصرياً على الفنون والعلوم، مازال نهماً في تكثير فروعها وأقسامها، شرهاً لتكثير أعدادها، فعلائقه مع الكتبيين في مشارق الأرض ومغاربها وافرة، ولم ير قط في سوق من أسواق البلاد التي