المصرية التي ينتمي إليها, والآخر: خارجيٌّ يأتيه من الشعوب والثقافات التي اتصل بها، ونعني بهذين العنصرين: الأصالة، والتجديد.
ونبدأ فنتعرف على لغة الاتصال بالجماهير في مقاله الصحفيّ، ومميزات أسلوبه ومهاراته في الاتصال، ثم نتعرَّف على مقاله بين التقليد والتجديد تمهيدًا للتعرُّفِ على رؤياه الإبداعية في فنِّ المقال الصحفي في تشكيلاته النهائية التي ظهر بها واضحًا في شخصيته وفَنِّه. تأسيسًا على أن الفنَّ الصحفيّ "طريقة تفكير ورؤية خاصة متميزة للحياة"1 والمقال الصحفي في ضوء هذه الرؤية يغدو عملاً نقديًّا في الوقت ذاته، أكثر مما كان في أيِّ وقت مضى، ذلك أن عملية الإبداع الفنيِّ تتضمَّن اختيارًا للشكل وللغة، ولعدد لا يخضع للحصر من التفاصيل الصغيرة التي تشكِّلُ فنَّ المقال وتحدده، وكل كاتبٍ هو بهذا المعنى ناقدٌ بالضرورة. فأكبر الكُتَّاب هم أصحاب أعمق وأشمل قدرة على النقد2، وهي القدرة التي تميِّزُ الرؤيا الإبداعية في مقال طه حسين نتيجة إلحاحه في الوعي بالذات، وغلبة التأمُّل العقلي على عالم التعبير الفني في أدبه على العموم، ومقاله على الخصوص. وقد يرجع ذلك إلى اهتمامه واهتمام جيله بقاضاياه وفلسفته وتفسيراته، والتزامه لهذه القضايا في كثير من الأحيان، ونظرته إلى الفن كضرورة من ضرورات الحياة، فيجد في فنِّ المقال وسيلةً لمبادلة الجمهور اهتمامًا باهتمام، ومناسبة لتوضيح ما في فنِّه من مغزى، الأمر الذي يجعلنا ننظر إلى عناصر الأصالة والتجديد في مقال طه حسين، على أنها عملية إبداعية تنتظم العمل الإبداعي والعمل النقدي عن قصد، من أجل إيجاد الاتصال والفهم المشترك.
وليست محاولة التعرُّفِ على الرؤيا الداخلية في مقال طه حسين تتعلَّقُ باللغة والأسلوب فحسب، بل هي بالأحرى محاولة للتعرُّفِ على الرؤيا الفنية المتكاملة التي تُمَيِّزُ وتحدِّدُ إبداعه في فن المقال الصحفي، الإبداع الذي لا ينفصلُ فيه عن إنتاجه.