أدبيتين في شهر واحد أو في أقل من شهر, فضاق صدري ومن حَقِّه أن يضيق، ثارت نفسي ومن الواجب عليها أن تثور، ولم أكتب في هذه الصحيفة أو تلك منذ عهد بعيد جدًّا، فلم أغضب لعلمي إن كان لي علم, ولا لفني إن كان لي فنٌّ، إنما غضبت لعقلي، وأحسب أن لي عقلًا، فقد كان يجد في هاتين الصحيفتين عزاء ومتاعًا، وغضبت لعقول فريق من المصريين والشرقيين كانوا يجدون فيهما مثل ما كنت أجد من الغذاء والمتاع"1. إلى أن يقول: "كنت أذكر كيف قهر الأدب في بعض الأوقات السياسية والأحزاب وكيف انتصر عليها، وكيف كان الناس يشترون بعض الصحف سرًّا يختلسون شراءها اختلاسًا, ويدسونها حتى لا يراها الناس؛ لأن الزعماء كانوا قد حذروا من قراءة تلك الصحف. لكن الأدب كان أقوى من الزعماء، فكان الناس يخالسون بشراء الصحف، ويفرغون لقراءتها حين يخلون إلى أنفسهم, وحين يأمنون عيون الرقباء"2. ويعقِّبُ العقاد على هذا المقال بعنوان: "وأي بأس"3 يتحدث فيه عن أثر احتجاب المجلتين: الرسالة والثقافة، على الحياة الثقافية التي شارك فيها هذا الجيل من المقاليين.
ذلك أن مجلة "الثقافة" كانت قد توقفت قبل توقف "الرسالة"، بعد ست عشرة سنة من صدروها، فهي من الإنجازات الثقافية في صحافة طه حسين، التي انفردت بها لجنة التأليف بعد انفصالها عن "الرسالة", فصدرت في 3 يناير 1939 لصاحب امتيازها أحمد أمين "تتقدَّمُ للعالم الشرقي مؤمنة بقدرتها بنفسها وبأصدقائها, شاعرة بتبعتها, مقدرة لواجبها وثقتها بقرائها". وكان طه حسين قد أعيد للجامعة وترك العمل في الصحف السياسية اليومية، واستمرَّ في عمادة كلية الآداب حتى مايو 1939، فكان اشتراكه في تحرير "الثقافة" هو العمل الصحفي المنتظم بعد تركه العمل في "الوادي" اليومية، ليواصل رسالته مع لجنة التأليف الغنية "بأعضائها وتخصصها، ففيها العالم من كل صنف، وفيها الأديب من كل نوع، وفيها الفنون في كل فن، حصلوا كثيرًا من العلم والأدب, فرأوا من واجبهم أن يشركوا في علمهم وأدبهم أكبر عدد ممكن في مختلف الأقطار"4.
وفي مجلة "الثقافة" تتحدد الوظيفة النقدية في مقال طه حسين التي تلقي استجابة من الرأي العام الأدبي، كما يبين من الأصداء المتمثلة في رسائل القراء، ومنها نجد رسالة من "علي زكي, وكيل مديرية الغربية"5 يقول