وتلك مزية لم تجتمع لأحد من الطلبة المصريين في مصر, ولست أريد أن أمتدح بهذا، وإنما أريد أن أتحدَّث بفضل الجامعة عليّ، وأن هذا الفضل يجعلني أكثر الناس كفاءة لدرس التاريخ وخدمة الجامعة فيه.
"أما الشرط الثاني وهو فقدان البصر, فليس يمنعني أن أسمع دروس الأساتذة ولا أن أؤديها، أي: ليس يمنعني أن أكون طالبًا وأستاذًا، وإذا كان قضاء الله قد قضى عليّ هذه البلية, فقد عوضني منها خيرًا. وأنا أُجِلُّ المجلس عن أن يتخذ بلية كهذه عقبة تحول بيني وبين ما أريد من الخير لنفسي وللجامعة.
"حقًّا إن الجامعة إذا قبلت هذا الطلب ستضطر إلى أن تزيد في نفقتي ما يمكنني من الاستعانة بمن يكون معي في فرنسا، ولعمري لئن فعلت ذلك، فليس بضارٍّ لها، بل هو يدل على كرم نفس, وعلى تضحية في معونة مَنْ يحتاج إلى الإعانة.. على أني مستعد لأن تستردَّ الجامعة منِّي بعد عودتي من أوربا ما أنفقته عليّ زيادةً على النفقات العادية, تأخذه من مرتَّبي أقساطًا. وما أظن الجامعة تكره أن تتفضل علي بهذا القرض الجميل.
"لذلك كله, أرفع إلى دولتكم, وإلى مجلس الإدارة هذا الطلب, راجيًا أن تتفضلوا بقبوله. ولكم الشكر الجميل والثناء المحمود.
طه حسين
طالب بالجامعة المصرية
وعُرِضَ هذا الكتاب على مجلس الجامعة فلم يلق منه إلا الرفض؛ لأن صاحبه لا يحمل الشهادة الثانوية، بحكم آفته التي امتحن بها؛ ولأن إرساله إلى أوروبا سيكلف الجامعة نفقات إضافية تعين الفتى على أن يكون له رفيق يعينه على الاختلاف إلى الجامعة, وقراءة ما يحتاج إلى قراءته من الكتب. ولكن هذا الرفض لم يَفُلّ عزم الفتى ولم يثبط همته. وإذا هو يكتب إلى رئيس الجامعة هذا الكتاب الجديد1.