قيل إنها قدمت من دار المندوب السامي إلى رئيس الوزراء، وقيل إنها أحدثت شيئًا من الاضطراب غير قليل في بعض البيئات السياسية، فضاقت الوزارة بما نشرت "الجهاد", وكذبته في بلاغ رسميّ أذاعته أمس، وكان بلاغها الرسمي حازمًا مسرفًا في الحزم، وقد تعود الناس في هذه الأيام أن يحترموا بلاغات الحكومة الرسمية، على نحو ما احترمت "الأهرام" بلاغها الرسمي الذي أصدرته منذ أيام تكذب فيه ما أذيع من حديث رئيس الوزاء إلى زملائه في مجلسهم عن المندوب السامي، واللجنة الإنجليزية المصرية، فقد احترمت الأهرام هذا البلاغ, ولكنها أكدت ما قالت، وأكدته في حزم ليس أقل من حزم الحكومة في بلاغها، وتحدت الوزارة، واتهمت الوزراء بانهم أفضوا إليها بهذا الحديث الذي تكذبه الحكومة وتنكره، وانتظرت الأهرام نتيجة هذا التحدي، وانتظرته الصحف الأخرى أيضًا، وألح الناس على الوزارة أن تبين جلية الأمر في هذه القصة التي تزري بكرامة الحكومة، وتغض من قدرها، ولكن الحكومة ورئيسها تلقيا هذا التحدي، وهذا الإلحاح، بالنوم العيمق..1".
ويستمر التحليل في "تقويم" السياسة الوزارية، إلى جانب استمراره في تقديم "التفسير" للنبأ في ضوء حركة الأحداث، ثم يتخذ من "بلاغ" الحكومة لصحيفة "الجهاد", والذي رأى فيه ألفاظًا تدل على شيء من الغيظ والحنق2" وسيلة لتقويم سياسة الحكومة, "والحكومات كغيرها من الجماعات عرضة للغضب وعرضة للغيظ، ولكن الناس يحبون للحكومات أن تملك نفسها وتضبط عواطفها وتصطنع الحكمة, والرفق فيما تقول, وتتجنب طائفة من الألفاظ لم تخلق لها, ولا سيما حين تزعم لنفسها ما تزعمه حكومتنا من أنها تريد أن يجد الناس فيها الأسوة الحسنة، والقدوة الصالحة. فالحكومة تسرف على نفسها إذن إسرافًا شديدًا، حين تندفع في إصدار البلاغات من غير حساب, وتمكن صحفة كالأهرام من أن تحترم بلاغها, ولكنها تأبى تصديقها، ومن أن تتحداها وتسرف في تحديها. وهي تسرف على نفسها إسرافًا شديدًا، حين تعمد إلى الشتم والسب في بلاغاتها الرسمية، وهي تزعم أنها غيرت النظام وتشددت في قوانين الصحف، لتمنع الشتم والسب. والواقع أن الحكومة لم تكن موفقة أمس في بلاغها الرسمي، فبعض الصحف لا يزال يصرّ على أن في الجو شيئًا ذا بال، وغيومًا مخيفة لم يستطع هذا البلاغ أن يبددها، والناس جميعًا ضحكوا من هذه الشدة اللفظية على قوم، وهذا الابتسام وهذه الاستكانة لقوم آخرين3.