يوضح لنا طريقة طه حسين الصحفية المكينة عندما يعزو الخبر إلى رواته أولاً, وعندما يظهرنا على موضع الشك في بعض أولئك الرواة ثانيًا، حين يستهلُّ المقال بقوله: "هم وزراؤنا إن صحت أنباء الأهرام، والظاهر أنها صحيحة".
ومن نماذج هذا العنصر الكاريكاتيري كذلك مقال بعنوان: "طير ... 1" يقول فيه: "في جو مصر الآن طير تحلق حينًا وتقع حينًا آخر، وتتردد بين دواوين الوزراء، وإدارات بعض الصحف، وتلمّ بمجالس الناس في القاهرة والأقاليم، وليست هذه الطير جميلة الشكل، ولا رائقة المنظر؛ وليست هذه الطير خفيفة الحركة، ولا رشيقة في التحليق والوقوع، ولكنها قبيحة سمجة مخيفة ثقيلة الظل، عراض الأجنحة، وليست عذبة الصوت، ولا حلوة التغريد، ولا مسمعة للناس غناء البلابل، ولكنها بشعة الصوت، نابية اللحن، تصيح صياح البوم، وليست أسماؤها بالأسماء التي تدعو إلى التفاؤل وانتظار الخير، والابتسام للأمل، ولكنها أسماء تدعو إلى التشاؤم وتوقُع الشر، والتنكر للقنوط، فبعضها يسمى الكذب، وبعضها يسمى إفشاء السر، وبعضها يسمى سوء الظن، وهذه الطير تضطرب في جو مصر كله، فتفسده أشد الفساد، وهي تخفق بأجنحتها خفقًا عنيفًا يكاد يصم الأسماع، وهي تبعث من حين إلى حين صيحات منكرة تروع النفوس، وهي تنشر في الجو رائحة كريهة يتأذّى لها الزمن، وهي توشك أن تنتهي بالمصريين إذا لم تطرد عن وجوههم إلى شرٍّ كثير2! ".
ثم ينتقل بعد ذلك يقدم شواهد من الصحف، تمثل هذه الصورة الكاريكاتيرية التي قدَّمها في مدخل المقال، يقول3:
"صحيفة تذيع بين قرائها يوم الثلاثاء أن رئيس الوزراء تحدَّث في التليفون إلى وزير مصر المفوض في لندرة، ويسكت رئيس الوزراء على هذا النبأ, فإذا كان الغد تحدثت صحيفة أخرى بأن وزيرنا المفوض في لندرة أنبأ مكاتبها بأن قد كان بينه وبين رئيس الوزراء حديث في التليفون "ويسكت رئيس الورزاء على هذا النبأ الثاني أيامًا، وتتناول الصحف هذا النبأ بالتفسير والتعليق، ورئيس الوزراء صامت لا يتكلم، وساكن لا يتحرك, وفاتر لا يبدي قليلًا من نشاط، حتى إذا كان مساء أمس, زعم رئيس الوزراء للمقطم، أن هذا الحديث التليفوني لم يكن، فأين يكون الحق إذن؛ وأين يكون الباطل؟ وعند من نلتمس الصدق إذن؟ وعلى من نلقي تبعة الكذب4؟ ".