رابعًا: الاستيثاق من أضعف الجوانب في كلام الخصوم نتيجة ما طُبِعَ عليه من قدرة جدلية، فما يلبث طه حسين أن يأخذ بتلابيب هذا الجانب ويظل في تحليله, ومجاراة منطقه في اشتقاق النتائج حتى يظهر كل ما يحمله هذا العنصر من الضعف ومن الحاجة إلى التقويم, ومن ذلك ما كتبه في "حديث المساء" بعنوان: "إذن"1 إلخ.. يقول:
"سأل سائل في مجلس النواب الإنجليزي عن أمر المبشرين أمس، فأجابه وزير الخارجية جوابًا نحب أن نقف عند آخره؛ لأن آخره خليق بالتفكير، جدير أن يزيل بعض الغموض الذي يحيط بموقف الوزارة المصرية من مسألة التبشير, فالناس يذكرون أن المبشرين أثاروا غضب الناس في العام الماضي، وأن هذا الغضب استطاع أن يصل إلى البرلمان، وأن يثير لنفسه صدى في مجلس النواب، والناس يذكرون أن رئيس الوزراء أراد أن يردَّ على هذا الصدى، فأعلن أن الحكومة تفكِّر في إصدار قانون يمكن الدولة من مراقبة التعليم, ويمكنها بعد ذلك من إلقاء التبشير.
"انتظر الناس أن يصدر هذا القانون في الدورة الماضية فلم يصدر، وانتظر الناس أن يذكر هذا القانون في خطبة العرش لهذا العام البرلماني فلم يذكر، وانتظر الناس أن يعرض القانون على البرلمان في دورته الأخيرة فلم يعرض.
وأثار المبشرون غضب المصريين مرة أخرى، وكان غضب المصريين في هذه المرة عنيفًا وكان إجماعيًّا، فلم يكن بُدٌّ من أن يصل إلى البرلمان، ومن أن يحدث لنفسه صدى في المجلسين، ولم يكن بُدٌّ من أن تتكلم الوزارة، ومن أن تعمل لتسكت غضب المصريين, وترد على صداه في البرلمان، وانتظر الناس أن تتحدث الوزارة عن هذا القانون الذي وعدت به منذ عام فلم تتحدث، وكتبنا نحن وكتبت الصحف الأخرى تطلب إلى الحكومة أن تصدر هذا القانون، فلم تقل الحكومة شيئًا، ولكن صحيفتها لامتنا على ذلك أشد اللوم، وأنَّبَتْنَا على ذلك أشد التأنيب، وزعمت أننا نطالب الحكومة بما لا قِبَلَ لها به، ولأننا نتحداها ونتعمَّد تعجيزها وإحراجها، ونسيت أن رئيس الوزراء نفسه هو الذي وعد بإصدار هذا القانون، ثم ألحَّ المصريون في المطالبة بهذا القانون, ووضع الوزراء أصابعهم في آذانهم، وأعرضوا عن هذا الأمر إعراضًا، فالآن يُخَيّلُ إلينا أن وزير الخارجية البريطانية قد حلَّ بواجبه أمس هذا اللغز، وأزال بجوابه هذا الغموض, فهو يعلن إلى سائله في مجلس النواب الإنجليزي أنه أذن للمندوب السامي في مصر أن يتحدَّث إلى ولاة الأمور من