أن رأينا في شواهد مقاله، التي تشير إلى إلمامه الدقيق باتجاهات كل صحيفة يستشهد بما جاء فيها، بل إن الكثير من مقالات طه حسين، قد حرص على تفسير هذه الاتجاهات السياسية، ومن ذلك وصفه لـ"كاسترو" رئيس تحرير "الليبرتية" الموالية للوزارة النسيمية، بأنه "ذو الوطنية الزجاجية, ذو المصرية المتهمة. كاسترو المصري دون أن يتكلَّم لغة المصريين"1, ويضرب به المثل للصحفيين "الغرباء" الذين يستأجرهم "المصريون ليهينوا المصريين"2. ويصف هذه الصحيفة بأنها "يوحى إليها"3 من الوزارة الإدارية التي تنفق عليها لتنال "من الأحرار الدستوريين"4 وغيرهم, كما يكشف اتجاهات الصحف الوزارية الأخرى مثل صحيفة "الأفكار"5, التي يهبط إليها "الوحي من إحدى السماوات السياسية في مصر وهي كثيرة, بأن هناك خطة سياسية جديدة"6. ويصف صحيفة "الأفريكان ورلد"7 بضآلة القدر وصغر الشأن8، ويسخر مما كتبته "الأفريكان ورلد"9, ويتحدث عن رأيها في الوزارة الائتلافية على أنه حلمٌ من أحلام رئيس الوزراء، وأمنية من هذه الأماني التي تعبث برأس الرجل الضعيف، ولا سيما حين يستريح في ظل "الأهرام"؟! حيث تكثر الصور والأشباح التي تؤرِّق قومًا, وترسل الأحلام إلى آخرين! ولكن "السياسة" و"الأهرام" لم تسخرا مما كتبته "الأفريكان! "10. و"أما" السياسية " فالظاهر أنها خرصت على أن تعيد للناس ما لم يشك أحد فيه من الأحرار الدستوريين" يحرصون على أن "تجتمع كلمة المصريين على مقاومة الوزارة القائمة والذين يؤيدونها من الإنجليز"11.
وتبين هذه الحاسة الصحفية الدقيقة من استخدامه الاستقرائي للعناصر الإخبارية في شواهد مقاله الصحفي، ومن ذلك مقال في "حديث المساء" بعنوان: "موقعه"12، يشير فيه إلى ما نشرته الأهرام من أن "الحكومة دفعت إلى السودان ثلاثة أرباع المليون تعويضًا لمن سيصيبهم الضرر من إقامة الخزان قبل أن تصدر الميزانية، بل قبل أن يقرَّها البرلمان, ودون استئذان للبرلمان في دفع هذا المقدار الضخم من المال لحكومة السودان, فإن يكن هذا حقًّا فلا تفسير له إلّا إحدى اثنتين, فإما أن يكون البرلمان مستعدًا أحسن الاستعداد للنزول عن حقوقه الدستورية للحكومة اعترافًا بجميلها عنده وفضلها عليه.