"وإذن القومية المصرية ظافرة من غير شك في هذا الميدان إلّا أن تتكشَّف الأيام والحوادث عن بعض وأن تتكشَّف عنه في هذه الظروف البديعة من الأعاجيب ... إلخ".
وينتهي من تسلسل هذه الشواهد إلى سَوْقِ رأيه في هذه المسألة:
"على أننا نعتقد أن الصِّرَاع بين اللغة العربية واللغات الأجنبية في المحاكم المختلطة لا ينبغي أن ينتهي عند هذا الحدّ، بل ينبغي أن يتَّسِعَ ميدانه، ويخيل إلينا أن المستشارين ليسوا إلا قادة في هذا الصراع, ولا بُدَّ من أن يتبعهم غيرهم، أن تكون اللغة العربية أداة عملية لا لكتابة الأحكام فحسب، بل المرافعات أيضًا يجب أن يخاصم المحامون المصريون والشرقيون باللغة العربية, ويجب أن تخاصم النيابة باللغة العربية أيضًا. ثم لا ينبغي أن يكون هذا مقصورًا على محكمة الاستئناف، بل يتجاوزها إلى المحاكم الابتدائية, فيجب أن تُكْتَب أحكام, وأن تكون مرافعات باللغة العربية فيها. وما دام القانون الذي لا سبيل إلى الخروج عليه يقرُّ اللغة العربية على ما يُرَاد لها من الحقِّ, فنحن واثقون بأن رجال القضاء والنيابة والمحاماة من المصريين والشرقيين لن يبلخوا على لغتهم بهذا الحق, ولن يقصروا في الذود عنه حتى تفرض هذه اللغة على المحاكم المختلطة فرضًا"1.
هذا، وقد يستهل المقال بعنصر "الشواهد" المشتقة من الواقع والمعتمدة على الأخبار والماجريات، والتقارير الإخبارية، وفي هذا النَّمَط من أنماط التحرير في مقال طه حسين، نجد توجيهًا للمقال الافتتاحي في الصحافة المصرية الحديثة، إلى أن يصبح إخباريًّا في جوهره، بمعنى أنَّ ما فيه من رأي ومن توجيه ومن ترفيه يعتمد على الأخبار وتفسيرها واستغلالها في تأييد رأي سياسي أو آخر". على أن هذا النمط الإخباري في تحرير المقال الصحفي عند طه حسين يرتبط ارتباطًا وثيقًا كذلك بقواعد المنهج الديكارتي، الذي يعتمد على تقسيم المشكلة ما وسعه التقسيم طلبًا للوضوح، ولذلك يضع المبادئ البسيطة الواضحة التي يشتقها من التقارير الإخبارية، ويتدرَّج منها إلى النتائج. ويبين هذا النمط الإخباري في مقال طه حسين، من مقال في "حديث المساء" بعنوان: "فضائح"2، حيث تتخذ المقدمة النمط الخبري التالي:
1- مقاول أنشأ لبلدية الإسكندرية جزءًا من شارع الكورنيش.