الأولى، وفي ذلك ما يجعلها نواة "لفن اليوميات الصحفية" التي يُعَبِّرُ فيها الكاتب عن وجهة نظره هو لا وجهة نظر صحيفته, كما تنمُّ عن أسلوب يقترب من أسلوب "مونتاني" الذي يقترب بدوره من أسلوب اليوميات الصحفية، وهكذا نجد أن ثَمَّةَ علاقة وثيقة بين فنون المقال منذ نشأتها الأدبية الأولى حتى تطوراتها الأخيرة في مقالات اليوميات الصحفية.
وإذا كان طه حسين يُسْرِفُ التواضع -بعد ذلك بنصف قرن تقريبًا1- حين يذكر في يومياته بجريدة "الجمهورية" أنه ليس "من كُتَّاب اليوميات"2 ويقول: "ولو حاولت كتابتها لم أبلغ منها شيئًا, ولكن أكتب الآن شيئًا يشبهها من بعيد3، فإن ذلك لا ينفي ريادته وصلاحية أسلوبه الاعترافي لهذا الفن المقالي، الذي يتخذ هذا العنوان الثابت "من بعيد" دائمًا، في "السياسة" و"الجمهورية" من بعد، ذلك أن هذه اليوميات تطوَّرت في مقاله، لتتناول "ملاحظات لم أر من إملائها بدًّا"4، وهذه الملاحظات هي التي تكوّن صلب اليوميات "ومنطلقها، في مناقشة ظواهر سياسية أو اجتماعية أو ثقافية داخل سياق حركة الأحداث، ومن هذه الظواهر في يومياته بجريدة الجمهورية ما "يتصل بالأدب, ليس من الخير إهمالها, بل من الواجب التنبيه إليها؛ لأن في إهمالها شيئًا من التشويه لحقائق الأدب وجماله أيضًا"7.
ومن ذلك يبين تميُّز "اليوميات" الصحفية، بتنوع موضوعاتها التي تصوِّر الحياة الإنسانية بخيرها وشرها، وتخلب العقل البشري والوجدان الإنساني، إلى جانب أنها قد تعالج السياسة والاقتصاد والشئون الاجتماعية والثقافية6. وهو لذلك يناقش في يومياته ظاهرة الشعر الحديث, وظاهرة تتعلق بضعف النقد الأدبي، وظاهرة أخرى تتعلق بالقصص الحديث، في مقال واحد، ومن خلال شواهد عملية من واقع الحياة الثقافية. كما يذهب في يومياته الأخرى إلى استقصاء ظواهر اجتماعية أو سياسية ترتبط في سياق واحد في إطار حركة الأحداث في المجتمع, يكتبها في أسلوب موثوق به، يعلِّلُ لهذه الظواهر، ويحللها ويستخلص الحلول والعلاج لها في نهاية اليوميات.
ويقترب فن اليوميات في مقال طه حسين، من هذا الفن عند