تقول "باترسون" في مقدمة كتابها عن فن المقال الصحفي: إن قراءة المذكرات واليوميات مفضلة؛ لأنها تدور حول قصص وأحداث تُعْتَبرُ أقرب إلى الواقع منها إلى أيِّ شيء آخر. وقد يعترف الكاتب بأخطائه وبإخفاقه في بعض مراحل حياته، ولكنه يعلل لهذا الإخفاق، فيكون الضعف البشري موضوعًا للمعالجة الفنية. وقد تتعرَّض اليوميات لبعض فئات المجتمع ولحالاتٍ غريبة من حالاته, أو بعض الأوضاع الشاذَّة, ولا شك أن ذلك يعود بالفائدة على القارئ، ويساعده في حياته الخاصة، وسلوكه مع الأفراد والجماعات؛ لأنه يقتدي غالبًا بكاتب هذا النوع من المقال في طريقة تغلُّبِه على الصعاب1.
ومن ثَمَّ كان المقال الاعترافي من أكثر المقالات الذاتية ملاءمة للصحافة, ذلك أن كاتب هذا النوع من المقال كثيرًا ما يكون شخصًا غير عاديٍّ في نظر القارئ، ولذلك يحقِّقُ هذا المقال وظائف كثيرة من وظائف الصحافة؛ منها: الإعلام، والترفيه والإمتاع، والتوجيه بطريقة غير مباشرة.
وفي هذه الأسباب ما يجعل المقال الاعترافي الذي شقَّ أرضه طه حسين من أهم مواد الصحافة الحديثة، التي تجذب إليها نظر القارئ؛ بحيث يمكن القول: إن طه حسين قد انتقل بالمقال الاعترافي من حَيِّزِ الأدب إلى حَيِّزِ الصحافة، متخذًا شكل "اليوميات" التي أصبحت مادةً لا غنى عنها في هذه الصحافة. والحق أن طه حسين، قد وضع بذور "اليوميات" في بيئة التكوين الصحفي, في المقالات التي نشرها في "السفور" في الفترة التي ساءت فيها حالة الجامعة ماليًّا وأعادته مع زملائه من أعضاء البعثة في أواخر عام 1915، ومكث في مصر ثلاثة أشهر, ظهر فيها ألمه لانقطاعه عن دراسته الجديدة، وانعكس ذلك في يومياته التي تضمَّنَت "حديث نفسه المر"2، وهي اليوميات التي تمثِّلُ نضوج اتجاهه الذاتي بعد تمرُّسِه على الكتابة في "الجريدة", وحصوله على