تحرير العمود الصحفي:

وتحرير العمود الصحفي لا يفصل بين الشكل والمضمون، ذلك أن شكل العمود ينبع من مضمونه ومن خلاله، وإذا كان بعض الدارسين للصحافة لا يجد بأسًا من أن يستخدم كاتب العمود أحيانًا الأسلوب الأدبي في تحريره، وأن يتميز هذا الأسلوب بالجمال عن طريق اختيار الألفاظ الجذابة والعبارات الرقيقة التي تعبِّر عن الفكرة تعبيرًا جميلًا1. فإن هذا العنصر التحريري يتمثَّل الأصالة في التراث العربي، ويضيف إليها، من خلال جلائها بروافد الثقافة الأوربية القديمة والحديثة, ويتناول في مقاله أغلب الفنون التي تناولها الشعراء، ويتفوَّق عليهم، كما فعل الجاحظ في النثر العربي من قبل2، وأتى بما لم يوفق الشعراء إلى أن يؤدوه.

ذلك أن من عناصر الأصالة في تراثنا العربي: عمود الشعر، الذي لم "يستطع القدماء تحديده, ولكنهم حرصوا عليه أشد الحرص، وهذا الذي لم يستطع أحد من شعرائنا أن ينحرف عنه في حقيقة الأمر مهما يقل في مسلم ودعبل وأبي تمام والمتنبي وغيرهم من أصحاب التكلُّف والتصنُّع والبديع, فهؤلاء وأمثالهم قد همَّوا أن يجددوا, وجدَّدوا بالفعل في كثير من الأشياء, ولكنهم احتفظوا دائمًا بفصاحة اللغة وجزالتها، وبرونق الأسلوب ورصانته، كما احتفظوا بالأوزان القديمة، فلما جدَّدُوا لم يبتكروا إلّا أوزانًا يمكن أن تُرَدَّ إلى الأوزان القديمة على نحوٍ من الأنحاء"3.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015