عشر1 إلى التقنين في الأدب، متَّخِذًا من الأدب القديم المثال الذي يحتذى، فكانت مهمة الناقد أن يضع قواعد لمختلف الأجناس الأدبية، وأن يدعو الكُتَّاب للسير عليها، وأن يحكم على قيمة إنتاجهم بمبلغ اتباعهم لتلك القواعد. وإنما تذهب هذه الدراسة إلى استقراء التحرير الفني المعملي في الصحف من خلال التراث الصحفي, بحثًا عن أشكال جديدة لتطور الفن الصحفي نفسه، في ضوء الرؤيا الصحفية، التي تذهب إلى أن التعبير عن المضمون يتم من خلال الكل وفي إطاره.
وقد ظهر لنا من خلال دراسة عناصر الأصالة والتجديد في مقال طه حسين أن هذه العناصر تنتظمها عملية إبداعية نقدية عن قصد، من أجل إيجاد الاتصال والفهم المشترك، الأمر الذي أدَّى إلى تبرئة المقال الصحفي من الوقوف عند الشكل، والكلف بالتجزئة، وإلى اتجاه هذا المقال نحو بلاغة جديدة في الاتصال بالجماهير، تطوع اللغة العربية لتتسع للكثير في نطاق الفكر النظري والتطبيقي، ليس في المفردات فحسب، بل في التراكيب وصور الأداء. وبيَّنَّا كيف انتهى طه حسين إلى تصحيح مفهوم اللغة في ضوء هذه الرؤيا، ومن خلال تجربته في الاتصال بالجماهير، وتحريرها من أغلالها، لتستجيب لحاجات العصر، الأمر الذي وسم مقاله الصحفي بتحقيق التقارب بين المستويات اللغوية: العلمية والأدبية والعملية، بحيث تغدو صحافة طه حسين من "أعلى صور الأدب؛ لأن جميع ألوان الأدب العليا صحافة" على حد تعبير "برنارد شو".
ولذلك وجدنا فنون المقال في صحافة طه حسين تنبع من التحكم الواعي والاشتغال بالمعاني والوضوح والوظيفية الهادفة، وتتوسَّل بلغة عملية في الاتصال بالجماهير، كما تتوسّل بالأدوات الفنية ضد الشوائب والأعراض التي تصحب عملية تنظيم العنصر البدائي الخام في تجربة الاتصال الصحفي، وتحويل هذا العنصر إلى فنٍّ مقاليّ، مما دفعه في كثير من الأحيان إلى الخروج على الأشكال المألوفة في تحرير المقال، وإلى توسيع أبعاده الفنية إلى مستوى التنبؤ الشامل في محاولة التوفيق بين رؤياه وبين الاستجابة لموضوعات الساعة والقضايا المباشرة، ولضرورات وسيلة الاتصال الصحفي بالجماهير.
ومن هذه الفنون المقالية، تزعم هذه الدراسة لنفسها فضل تحديد أبعادها واستقرائها من تراثه الصحفي: فن المقال التنويري وفن المقال النقدي، وقد وجدنا أنهما يرتبطان بالاتجاه الثقافي في التغيير والتدعيم، كما وجدنا العمود الثقافي في "حديث الأربعاء" يقوم على أداء وظيفة التبسيط والتفسير في الفن الصحفي, كما تبيَّن أن فنون المقال في صحافة طه حسين تسعى إلى تقديم المادة العلمية