بأن فنه سيفهم ويذاق1؛ لأنه يلائم ما كان" يملأ الدنيا حوله من الأحداث، وما كانت تدفع الدنيا إليه من تطور"2, ويلائم كذلك ضرورات "عصر السرعة"3 الذي يعدل وقتنا فيه "الأضعاف المضاعفة من وقت القدماء"4، وتزدحم فيه حاجتنا الكثيرة "وتختصم، وتتدافع ويصدم بعضها بعضًا، ويناقش بعضها بعضًا في كثير من الأحيان"5. وتوشك "ألا تترك لنا شيئًا من الوقت لنستأني بالتفكير أو سَمِّه شيئًا من الجهد لنتأنق في التعبير"6 كما يلائم في مقاله بين تحريره وضرورات الصحف التي "تقتضيها السرعة والدقة والنظام؛ فالكاتب رهن بكل هذه الضرورات"7.
ويذهب طه حسين إلى أن فن المقال الصحفي ليس "بالكلام السوقة الذي لا قيمة له, ولا هو بالأدب الرفيع الذي يكلِّفُ صاحبه الكَدَّ والجدَّ والعناء، وإنما هو فنٌّ وسط يحتلُّ منزلة بين المنزلتين، في أكثره من الأدب روح وفيه مع ذلك من اليسر والسهولة واللين والمؤاتاة ما يلائم السرعة والانتظام"8. ذلك أن "الحاجة والصحيفة والمطبعة اقتضت أن يكتب ويقدِّم وينشر في أوقات معينة, وفي موضوعات لعلها لم تكن تخطر للكاتب على بال، ولعل كثيرًا منها أن يكون قد فجأ الكاتب على غير توقُّعٍ له، ولعل بعضها أن تفرض الكتابة فيه على الكاتب فرضًا"9. ولكن أساليب التحرير في المقال الصحفي تهتم مع ذلك بالمضمون اهتمامًا وظيفيًّا، فهي ترمي إلى إيضاحه في يسر وجلاء, تعبر عَمَّا تريد في وضوح وبساطة وقوة".
وعلى ذلك فإن التمييز بين الأجناس المقالية لم يعد مجديًا أمام ضرورة وسيلة الاتصال الصحفي بالجماهير، ذلك أن الأدب نفسه قد اتسع ميدانه، وتنوعت مستويات الإبداع فيه، فكان منه أدب مسرح وأدب صحافة، وأدب إذاعة وسينما، ثم كان لكلٍّ من هذه الأنواع بلاغتها، وطرائق كتابتها، وموازين نقدها المتجددة.
وتأسيسًا على هذا الفهم، فإن الرؤيا الفنية في مقال طه حسين، ترتبط بنوع الوسيلة التي تحمل المقال إلى الجمهور، ثم بطبيعة مادته وصياغته؛ بحيث يمكن القول: إن هذه الرؤيا الفنية قد أحدثت تقاربًا فعليًّا بين الأجناس المقالية، وكادت تجعل منها جنسًا واحدًا يتنوع فنونه، التي تغدو جميعًا مقالات صحفية لما تمتاز به من عناصر "الحالية والحيوية والاستجابة لاهتمامات الجمهور، والصياغة القريبة إليهم.