وما يعنيه من التوصُّل إلى أوسع جمهور وبلوغ الاقتناع. وهو لذلك يحتفظ بأصوله التقليدية ولا يستعصي على التطور، مدركًا لقوانين التجديد، وتوطين فنون التعبير الحديثة وتطويرها عند العرب كما يفعل أصحابها من الغربيين1. فالرؤيا الفنية في مقاله طه حسين تشمل إحياء فنون مقالية في التراث القديم، مثل: الرسائل المقالية، وفن الهجاء الذي أتقنه الجاحظ وقصر فيه من جاء بعده من الكُتَّاب, فقد أصبح هذا الهجاء السياسي2 من أهم فنون المقال الصحفي -عند طه حسين, ونعني فن المقال النزالي. كما تشمل عناصر التحول والانتقال، كما يسميها "كونت"3، والتي تقتضي استحداث فنون تلائم العصر الحديث4، في الشكل والموضوع5 والتنوع والعمق6, كما تلائم وسيلة الاتصال الصحفي التي تَصِلُ الكاتب بكل قارئ أو "قل: بكل إنسان, وليس بد للصحفي من أن يكتب لهؤلاء جميعًا"7.
وتأسيسًا على هذا الفهم للرؤيا الفنية عند طه حسين، فإن فنون المقال في هذه الرؤيا، في حركة دائبة بها تتغير قليلًا في اعتبارتها الفنية، من طور إلى طور، في ظل الاستراتيجية القومية لديه، والاعتبارات الاجتماعية المرتبطة حتمًا بالأصول الفنية التي تقوم مقام الحجة والإقناع في المنطق، وتتحكم في وسائل التصوير والصياغة الجزئية في نطاق فن المقال.
على أن هذه الرؤيا الفنية، لا تفصل بين أجناس المقال الرئيسية الثلاثة: المقال الأدبي، والمقال العلمي، والمقال الصحفي، وإنما توظِّفُها جميعًا لأداء وظائف الفن الصحفي، وتقرِّبُ بين مستوياتها اللغوية لتحقيق التكامل الاجتماعي، كما تَقَدَّمَ، والتعبير عن أمور اجتماعية وأفكار عملية من خلال أدوات وظيفية اجتماعية وفرية تتقدَّم على أية ناحية أخرى؛ كالمتعة الفنية على سبيل المثال.
وفي ضوء هذا الفهم، تتنوع فنون المقال في صحافة طه حسين تنوعًا يرتبط برؤياه الفنية، وتوسله بالاتصال الصحفي بجماهير القراء، وهي الوسيلة التي بنت له "مجدًا وجعلته من قادة الرأي"8، الأمر الذي يذهب بفنونه المقالية إلى التنوع لتعرض "للأدب والنقد ولفنون الحياة على اختلافها"9، وهو التنوع الذي لا يقصد به إلى "فرد من الناس، ولا إلى جماعة محدودة منهم، وإنما ينشئه لبيئته التي يعيش فيها, ولهذه البيئة كلها"10، وهو واثق