كما يقول أصحاب الاقتصاد"1. وهو لذلك يتصور مقاله شكلًا ومضمونًا قبل أن "يملأ ما بين الخطوط"2، لأن القارئ -في رؤياه- ليس "قابلًا فحسب، ولكنه قابلٌ من جهة, وفاعلٌ من جهة أخرى، أمره في ذلك كأمر الكاتب بالضبط؛ لأن الكاتب قابل "مستقبل" حين يتأثر بالعالم الخارجي، وفاعل "مرسل" حين يعيد إنشاء هذا العالم الخارجي. والقارئ متأثر حين يتلقَّى الرسم التخطيطي الذي دعاه الكاتب إلى النظر فيه، وهو منشئ حين يملأ ما بين الخطوط, ويتمِّمُ مما بدأ لكاتب من الرسم والإنشاء3"، والكاتب عند طه حسين لا ينشئ "أثرًا واحدًا حين يؤلِّفُ عملًا واحدًا, وإنما ينشئ آثارًا لا تحصى، أو قل: آثارًا بمقدار ما يُتَاحُ له من القراء"4. وإذن فأساليب التحرير في المقال "شركة بين الكاتب وقرائه5 تقوم على تعمُّد القراءة والفهم من قِبَلِ القارئ، وتعمد إذاعة هذه الأساليب من قِبَلِ الكاتب6.
وعلى ذلك فإن الرؤيا الإبداعية في مقال طه حسين لا تحدد موقفه من عصره ومن مؤلفاته ومقالاته فحسب، وإنما تكشف عن الجوانب الفنية في أساليب تحريره، وتشهد على الخصائص المطلوبة في الكاتب في النصف الأول من هذا القرن. الأمر الذي يتيح لنا التعرُّف على الرؤيا الفنية المتكاملة في مقال طه حسين، التي لا يمكن أن ينفصل فيها الكاتب عن إنتاجه.