اللغة العربية الفصحى إذا نحن منحناها ما يجب لها من العناية فارتفعنا بالشعب من طريق التعليم والتثقيف، وهبطنا بها هي من طريق التيسير والإصلاح إلى حيث يلتقيان في غير مشقة ولا جهد ولا فساد"1.
على أن هذا الأسلوب الصحفي في مقال طه حسين هو الذي تتكامل فيه الخصائص العقلية والخصائص الفنية تكاملًا وظيفيًّا، يحدد قسماته النفسية وعصره ومجتمعه ثانيًا, وهو التكامل الذي يوظِّفُ الإعراب واصطفاء اللفظ والملاءمة بين الكلمة والكلمة في الجرس الذي ييسر على اللسان نطقه، ويزين في الأذن وقعه، كأساس لخصال هذا الأسلوب2. كما أن لغة المقال الصحفي في أسلوب طه حسين لا تهمل الأسماع، وإنما تُعْنَى بها أشد العناية3، وهو الأمر الذي يمكن لطه حسين من تصحيح مفهوم اللغة تصحيحًا يخلصها من ذلك التصور الخاطئ الذي يراها صورًا ورموزًا تقرأ بالعين فحسب، مع أن هذه الصور وتلك الرموز عبارة عن وسيلة تعسفية للتسجيل، وأنها مهما بلغت من الضبط والأحكام لا تستطيع أن تحكي تفاصيل اللغة التي تقوم على النبر والإيقاع, والتي ترتكز على الموسيقى4. ذلك أنه يتلقَّى المعرفة والتعبير عن طريق الأذن، كما يبعثها عن طريق الصوت المسموع، ومن هنا يُعْنَى الأسلوب في مقال طه حسين بالنبرة والإيقاع عنايته بالتراكيب اللفظية5.
وهذا التصحيح اللغوي مصدر أساسي من مصادر الأصالة، ذلك أن لغة المقال عند طه حسين لغة منطوقة، شأنها في ذلك شأن الأدب العربي القديم "مسموع قبل أن يكون أدبًا مكتوبًا مقروءًا، وهو من أجل هذا حريص على أن يلذَّ اللسان حين ينطق به، ويلذ الأذن حين تسمع له، ثم يلذ بعد ذلك النفوس والأفئدة حين تصفي إليه"6. إن أسلوب طه حسين له أبعاده التي تتجاوز المصطلح اللغوي, وهي أبعاد موسيقية، كما يلاحظ الدكتور عبد الحميد يونس7 حين يذكر أنه قد عَنَّ له مع بعض تلاميذ طه حسين، أن يخضعوا أسلوبه للتقطيع الموسيقي, فأدهشهم أن يجدوا أن كثيرًا من فقراته يمكن أن تخضع حتى لعروض الشعر العربي التقليدي, وكأنها نَظْمٌ مُرْسَلٌ بلا قافية، وكان منهم واحد تخصص في الغناء، فانتخب فقرات من "دعاء الكروان" ولحَّنَها ورجَّعَها على مسامع زملائه