يوضح حياة بطل السيرة نفسه. وقد يتجه الكاتب في طريقته نحو التحليل، وقد يتجه نحو التركيب، ولكنه سواء سار في هذه الطريق أو تلك، عليه ألا يسخر الأحكام والأحداث وملابسات الحياة لعاطفته، فإن ازدياد العاطفة ينحرف بالسيرة عن وضعها الطبيعي، بل لا بد له من أن يبني ما يكتبه على أساس متين من الصدق التاريخي، فإذا ضعف عنصر الصدق في السيرة لم تعد تسمى سيرة، لأن الخيال قد يخرجها مخرجا جديدا ويجعلها قصة منمقة ممتعة.
ولنفرض أن سيرة تحقق لها البناء الكامل، وكانت غايتها الرغبة في تاريخ حياة فرد من الأفراد، وكانت حياة هذا الشخص في الداخل والخارج محورا تدور حوله الأحداث، وشخصيته قطبا تلتقي عنده الشخصيات الأخرى: فهل بهذا كله تصبح السيرة عملا فنيا؟ أليس قيامها على عمل الذهن في الاختيار والنفي، وفي محاكمة الروايات وقبول بعضها ورد البعض الآخر، ما يوحي بأنها من هذه الناحية تفارق الفنون الأخرى التي لا بد أن تتدخل العاطفة في بنائها تدخلا مشروعا؟ ثم أليس الالتزام بالصدق التاريخي فيها ملزما للكاتب بأن يكبح جماح الخيال، وأن يقف عند الحقائق، يعرضها ويرتبها ترتيبا خاصا؟ وهذا العرض والترتيب أهما في ذاتها عمل فني تتطلبها السيرة تبعدها من الدائرة الفنية بينا يحاول كاتبها أن يقترب بها من