فن السيره (صفحة 70)

ومن السيرة المقبولة سيرة " منصور الأندلس " لعلي أدهم، فإنها تتمتع بالبناء المتدرج وتدل على الفهم العميق لنفسية بطل السيرة وما يدور حوله من ملابسات، ولكنها هادئة بطيئة الحركة وينقصها الحماسة الكامنة في إخلاص نعيمه، ووقدة الذهن التي نحس بها فيما كتبه العقاد. ولا ريب في أن الذين يزاولون كتابة السير كثيرون، ولكني إنما أعرض نماذج متفاوتة، وعلى تفاوتها فإن أصحابها يشتركون في خاصية واحدة، هي اتصال إنتاجهم الأدبي بالذهن أكثر من اتصاله بالخيال. فالعريان حين انتقل إلى كتابة القصص التاريخية لم يبعد كثيراً عن مجال السيرة وإنما استغل الخيال المرتب بطريقة مشابهة أو مقاربة، والعقاد أخفق في كتابة القصة حين أنشأ " سارة "، فعزف عنها، ووجد خياله الذهني؟ إن صحت التسمية؟ مجاله الرحب في التراجم والمحاكمات العقلية. وعلي أدهم من التشريحيين الذين يحللون كل شيء كما يفعل الكيمياوي في معمله، مع هدوء أشبه بالتقرير العلمي، ونعيمه ناقد قبل أن يكون فناناً، وإذا كان هو أبرزهم قدرة على الخلق فما ذلك إلا لطبيعة الصلة بينه وبين جبران، ولعله لا يبلغ هذه القدرة لو حاول أن يكتب سيرة شخص آخر. ولم لا نقول إنه أجاد إنما كان يسخر من نفسه وصوفيته الحالمة، ومن تناقضاتها مع حاجاته المادية وهو يحاول أن يعري حقيقة جبران، كما فعل موروا عندما كتب عن شللي وعن مثاليته الثائرة التي ارتطمت بصخرة الواقع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015