فن السيره (صفحة 61)

عامداً أو عامد؟ أمراً آخر؛ وذلك أنه قرب المسافة بين الرافعي والقراء بدلاً من أن يباعدها، فإذا الرافعي إنسان طبيعي يهدأ ويثور، ويضعف ويقوى، ويرضى ويسخط، ويضحك ويعبس، وبينه وبين القراء وشائج تختلف كثيراً عن الوشائج الأدبية التي تربطه بهم.

وعلى العكس من هذا موقف العقاد في " العبقريات "، فإن أشخاصه في حقيقتهم إنما يعرفون بهذا الوضع الطبيعي الذي يخلطهم بالناس ليميزهم منهم، ويحكم لهم بالعظمة من اجل هذا الموقف نفسه أيضاً؛ ولكنهم، حين يتحدث العقاد عنهم، يبتعدون كثيراً فإذا هم صنف آخر من البشر. وقد حد العقاد من حريته في الكتابة ثلاث مرات: مرة حين افترض القداسة فيمن يترجم لهم، وحاول أن يبرر ما يحسبه الناس خطأ، ومرة أخرى حين اختار أن يتحدث عن العباقرة لا عن الناس العاديين، وثالثة حين اختار للكتابة شخصيات لا يملك الشواهد لدقيقة عنها، فإذا وجدها، وجد الاضطراب الكثير. ونجم عن هذا كله أنه لم يكتب سيرة، وإنما كتب فصولاً بعضها يتميز بالنظر الدقيق النافذ، وبعضها يعتمد على قوة الذكاء في الفحص والتبرير، كما هي الحال في كتابته " عبقرية محمد " فليس هو العقاد الناقد الطليق؛ وقد أصاب سيد قطب في بعض قوله عن هذه العبقريات: " هي ليست سيرة على طريقة السيرة العربية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015