قد يمس هذه الناحية مساً خفيفاً في مثل قوله: " على أن الرافعي كان له مرتب آخر من عمله في المحكمة هو ثمن ما كان يبيع من كتبه للموظفين والمحامين وأصحاب القضايا الذين يقصدون إليه في مكتبه لعمل رسمي؛ وكانت ضريبة فرضها الرافعي من طريق الحق الذي يدعيه كل شاعر على الناس، أو فرضها أصحاب الحاجات على أنفسهم التماساً لرضاه. ليت شعري، أكان على الرافعي ملام أو معتبة أن يفعل ذاك؟ " (?) وليست المسألة مسألة ملام أو معتبة، ولكن الكاتب كان يحس إحساساً خفياً بأن في موقف الرافعي ما ينتقد، ثم لا يستطيع أن يعتذر عنه اعتذاراً قوياً. وأحسب أن العريان في هذا الكتاب لم يتحرر تحرراً كاملاً في عرضه لجوانب الضعف في الرافعي، ولكنه؟ مع ذلك؟ أعطانا صورة حية لا أنموذجاً جامداً، وانتفع كثيراً أثناء المصاحبة الشخصية لصديقه، من اعترافات الرافعي نفسه، ومن المشاهدة، ومن بعض الوثائق، ومن صلاته بمن يعرفون الرافعي. غير أنه تعجل كتابة هذه السيرة ولم يكن قد خف حزنه على صديقه، فلم يستطع أن يسلم من بعض الميل، وفاته بعض الوثائق اللازمة، كرسائل الرافعي إلى الشيخ أبي رية، وهي رسائل نشرت بعد صدور الكتاب، ولم يطلع العريان عليها. ومهما يكن من نقائص هذا الكتاب فإن العريان في محاولته أن يفرد الرافعي بالتقدير، وأن يعطيه ما يعطي العباقرة من تمييز، قد حقق -