تلك السير الذاتية، أما الصراع نفسه فحاضر في كل مرحلة من مراحل الحياة.
ويلي هذا العنصر في القوة، عنصر التعري النفسي والاعتراف المخلص، فهو أقوى ظهوراً من سابقه، وخاصة عند أهل الاتجاه الروحي أو الفكري؛ فابن الهيثم يعترف بأن الإقبال على علوم الديانات لم يفده شيئاً، فاتجه إلى الأمور العقلية، وهذه شجاعة لا يوازيها إلا الاعتراف الغزالي بأنه شك في كل شيء إلا في البديهيات، لولا أن الغزالي عاد من ثورته هذه إلى الاستسلام الذي ألقى به في أحضان التصوف. أما الاعتراف الذي يصيب حقائق الحياة الذاتية، في السلوك العام، وفي الأحداث الخاصة، فشيء قلما يصيبه المرء في هذه السير الذاتية أو المذكرات واليوميات. ولذلك نرى ابن حزم الأندلسي فذاً في تلك النتف الاعترافية التي ضمنها كتابه " طوق الحمامة "، وهو زعيم مذهب، وأخو تشدد بالغ في النظرة الدينية، ومع ذلك نجده يقول: " وعني أخبرك أنني أحببت في صباي جارية لي شقراء الشعر، فما استحسنت من ذلك الوقت سوداء الشعر، ولو أنه على الشمس أو على صورة الحسن نفسه؛ وإني لأجد هذا في أصل تركيبي من ذلك الوقت، لا تؤاتيني نفسي على سواه، ولا تحب غيره البتة، وهذا العارض بعينه عرض لأبي، رضي الله عنه، وعلى ذلك جرى إلى أن وافاه الأجل " (?) .