تبع هؤلاء المستشرقين طائفة أخرى يحلو لي أن أسميها طائفة المستغربين: وهم من أبناء المسلمين الذين فتنوا بالغرب وتاقت نفوسهم إليهم، واستغل الغرب الفرصة، ومدوا إليهم أيديهم وصنعوهم على أعينهم، ودسوا في عقولهم أفكارهم، ثم أعادوهم إلى أوطانهم يحبطون أبناءهم ويشككونهم في دينهم، ويقنطونهم من القيام إلا باتباع الغرب، حتى إن بعضهم كان يقول: إن بلادنا لن تتقدم إلا إذا نقلت ما في لندن وباريس بحلوه ومره، وبحسنه وسيئه وبمعروفه ومنكره، هكذا هو، عالم ويلبس لباس العلماء، ثم يطعن في الدين طعناً.
ألم يذهب أحدهم -وهو من أبناء الأزهر الحافظين للقرآن- إلى فرنسا فتعلم هناك، ثم عاد إلى بلاد المسلمين يعلم تلامذته أن ينقدوا القرآن الكريم، فهذه آية قوية وهذه آية ضعيفة؟! {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف:5]، وكان يقول لتلامذته: ليس معنى أن القرآن ذكر وجود إبراهيم وإسماعيل أن هذا أمراً حقيقياً، لا بد من برهان مادي.
وكان يقول لتلامذته: إن الآيات المدنية أكثر نضجاً من المكية، وكأن هذا من تراكم الخبرة تعالى الله عما يصفون، وكان يكتب كتباً عن الصحابة وبالذات في زمن الفتنة، فيطعن في كل من استطاع بلا خجل ولا تورع، ثم إذا به يترقى في المناصب حتى يصبح وزيراً للتعليم يربي ويعلم ملايين التلاميذ، وهكذا أصبح الشيخ الأزهري من دعاة العلمانية والإحباط، والأزهر منه براء.