أخي في الله! بعد هذه الرحلة السريعة في ربوع فلسطين تاريخاً وواقعاً ومستقبلاً أقدم كلمة أخيرة أهمسها في أذنك.
دينك دينك لحمك دمك.
الله الله في إسلامك وشرعك الله الله في أهلك وأرضك، اغضب لدينك أشد من غضبك لنفسك، اذكر الله أشد من ذكرك لأبيك وقومك، احرص على أمتك أشد من حرصك على مالك وبيتك.
لا عُذر لك لا عُذر لك إن خَلُص لفلسطين وفيك قلب ينبض أو عين تطرف أو نفس يتردد، جهّز مجاهداً فإن هذا جهاد، اخلف مناضلاً في أهله فإن هذا نضال.
فلسطين ليست عبئاً على كاهلك.
فلسطين هدية من الله إليك فلا تردها.
فلسطين نعمة من الله عليك فلا تجحدها.
فلسطين وعد من الله لك فجهّز نفسك ليوم يتحقق فيه الوعد.
أخي في الله! أظهر لله من نفسك قوة وكن حيث أرادك، إياك إياك أن يطلبك في مكان فلا يجدك، أطع ربك بغير مجادلة، فإنما تطيع من تعاظمت حكمته وتناهت قدرته واستحالت معارضته، لا تعمل بمعصية الله وأنت في سبيله.
أخي المؤمن! جدد النية، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق، نق السريرة، فإن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، عظّم الغاية، فإنما هي حياة واحدة قبل أن تموت.
أخي المؤمن! لا تقولن: ليس لمثلي أن يعمل في سبيل الله، فقد خُضت رحلة طويلة في عالم المعاصي والآثام! إياك وهذا الظن، لا تهولنك كثرة الذنوب، فإن دمعة واحدة في جوف الليل تمحو الخطايا وتحرِّم الجسد على النار.
فلنبدأ اليوم من جديد وصفحتنا بيضاء إن شاء الله.
أخي المؤمن! ارفع الرأس فالمؤمن لا ينحني إلا لخالقه، واحمل الراية فإنما أُخرج المؤمن ليُقتدى به، وأسرع في الخطى، فلم يبق يا أخي! إلى الجنة إلا خطوات.
أخي في سبيل الله! لا تغرنك قوة جسدك، ولا كثرة مالك، ولا وفرة علمك، ولا طلاقة لسانك، ولا بأس ملك أو عز سلطان، لا يغرنك كل هذا، فهذا كله إلى فناء، ولا يبقى بعد ذلك إلا قلب وعمل.
أخي في سبيل الله! إن كثرت أمامك العوائق، وآثرت تعلّقاً بدنيا وظننت أن الطريق مستحيل، وأنه كما يقول بعضهم: لا فائدة! فلا تغفل عن قوله سبحانه: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة:46]، فاعلم أن المؤمن لا يُثبَّط، وأن الله إن وجد إعراضاً متكرراً من الرجل أعرض هو عنه وكرهه وثبّطه وعطّله، فاعلم أن صفة الكسل الدائم لا تكون إلا في المنافقين، فلا تكونن منهم وتحرك.
أخي في سبيل الله! طريقنا طويل، فلا بد لك من صبر فلا تعجل، فإن العجلة من الشيطان، ولا تفتر فرب فتور لا يُتبع بقيام، ولا تركن فإن الماء الراكد يأسن ويتعفّن.
أخي المؤمن! طريقنا طويل فلا تسيرن فيه بغير صحبة، وانتق من الناس من إذا رأيته ذكّرك بالله، واعلم أن الحسابات عند الله مختلفة، فواحد وواحد قد لا يساويان اثنين، فالمرء وأخوه قد يساويان عشرة، والمرء بدون أخيه قد لا يساوي شيئاً.
أخي في سبيل الله! لا تضيع وقتاً فهذا أثمن ما تمتلك، عمرك محدود ليس فيه زيادة ولا إمهال، ولحظات النهاية تقترب، لا تضيع وقتاً، اعمل حثيثاً قبل أن يأتي يوم لا عمل فيه، ابدأ الساعة فرُب نفس خرج ولا يعود، ورُب دقة قلب لا تُتبع بأخرى.
بهذه البداية لن تكون نهاية فلسطين.
بهذه البداية لن تُصبح فلسطين أندلساً أخرى.
اللهم ارحم عبداً أرشد العباد إليك، وطهّر قلباً حبب القلوب فيك، وزك نفساً شوّقت النفوس إلى الاعتماد عليك، آمين آمين.
وإلى مجموعة تاريخية قادمة إن شاء الله.
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وجزاكم الله خيراً كثيراً.