المقطع الثالث: وبسرعة.
نقول: تحريك القضية بالمفاهيم الصحيحة وبسرعة، ماذا نقصد بقولنا: بسرعة؟ هناك أناس اشتهرت على ألسنتهم كلمة فيها نوع من الهروب.
يقولون: الزمن جزء من العلاج، يعني: مع مرور الوقت ستحل القضية، وهذا يا إخوة! مخالف تماماً للواقع، فالوقت ليس في صالحنا كأفراد في الكيان الإسلامي الواسع المترامي الأطراف، وليس في صالح القضية الفلسطينية.
هو ليس في مصلحة القضية الفلسطينية؛ لأنه مع مرور الوقت يزداد الألم الفلسطيني، وتزداد القوة اليهودية، ويزداد التبجح اليهودي، ومع مرور الوقت يزيد عدد الشهداء وهذا في حد ذاته ليس خسارة حقيقة، كما سيأتي الحديث بالتفصيل إن شاء الله، لأنهم فازوا بالشهادة، ولكن الخسارة الحقيقة هي استمرار الظلم دون رادع، استمرار قتل الأبرياء دون رادع، ومع مرور الوقت تهدم المنازل الواحد تلو الآخر، وتجرف الأراضي، ويتزايد عدد من لا مأوى لهم، وبذلك تزيد أوراق الضغط اليهودية.
مع مرور الوقت يزداد تعذيب الأفراد بل الأطفال، واقرءوا مقالاً في جريدة الحياة اللندنية بتاريخ 19/ 7/2001م عن التقرير الذي أعدته المحامية السويدية برجيتا عن حجم الإرهاب الفظيع الذي تمارسه المحاكم الإسرائيلية بحق الأطفال الفلسطينيين، وعن الأعمال الوحشية التي لا تصدق في السجون الإسرائيلية، وبحكم القانون للضغط على أهالي الطفل، وذلك يشمل السجن لفترات طويلة، والجلد، والصعق بالكهرباء، والتقييد للأطفال، وما خفي كان أعظم.
مع مرور الوقت تزداد المستوطنات، وتزداد الهجرة اليهودية للأراضي الفلسطينية، ويزداد الإحلال اليهودي للشعب الفلسطيني.
مع مرور الوقت يتناقص الغذاء والدواء والكساء لغلق كل المعابر والحدود، وبذلك يموت الشعب جوعاً ومرضاً.
مع مرور الوقت يزداد عدد اللاجئين والمشردين والفاقدين للمأوى.
مع مرور الوقت يزداد التجرؤ اليهودي على المسلمين، فنسمع عن أشياء جديدة ما كنا نسمع عنها في القضية من قبل، نسمع عن حركات اغتيال متكررة لقادة بعينهم، نسمع عن عمليات اختطاف لأفراد بعينهم من عقر دارهم، نسمع عن ضرب للبيوت بالمروحيات والطائرات الأباتشي والأف16، بل نسمع عن حديث على الملأ يناقش: هل نقتل زعماء السلطة أم نتركهم هكذا؟ تبجح يهودي صارخ، ورعاية أمريكية وعالمية لهذا الإجرام، حتى إن نائب الرئيس الأمريكي شين يصرح بمنتهى الوقاحة بأنه لا يرى بأساً في عمليات الاغتيال ما دام هؤلاء الأفراد قنابل بشرية موقوتة.
مع مرور الوقت يحدث شيء خطير اسمه إلف المأساة.
يتعود المسلمون على منظر دماء الشهداء، ومنظر الجرحى بالمئات والآلاف، ومنظر الأمهات الثكالى، ومنظر الأطفال الباكية المشردة، يتعودون على منظر الهدم والتجريف والظلم والإبادة، فلا تتحرك القلوب كما كانت تتحرك، ولا تذرف الدموع كما كانت تذرف، ولا تتأثر المشاعر كما كانت تتأثر، الناس لا تشعر بقيمة الشمس؛ لأنها ألفت أن تراها كل يوم، الناس لا تشعر بجريمة ترك الصلاة؛ لأنها ألفت تركها كل يوم وهكذا، نحن نريد للقضية أن تحل قبل أن تحدث كل هذه الأمور، وقبل أن نألف مأساة فلسطين.
إذاً: الوقت ليس علاجاً وليس مصلحة لقضية فلسطين، كما أن مرور الوقت ليس في صالحنا كأفراد، فالموت يا إخوة! يأتي بغتة، ومن مات قامت قيامته، وسيأتي والله يوم عسير نسأل فيه جميعاً ماذا فعلنا لفلسطين؟ يوم تقترب فيه الشمس من الرءوس، ويشتد فيه الزحام وتزل فيه الأقدام، ولا ينفعنا إلا العمل الصالح، سنسأل: ماذا فعلنا لهؤلاء الذين يقتلون صباح مساء على بعد أميال منك؟ ماذا فعلنا لأرض تغتصب، ودماء تراق، وحرمات تنتهك؟ ماذا فعلنا لتلك المساجد الطاهرة التي تشكو إلى ربها؟ يا ترى! ماذا سنعمل لو متنا في هذا الوقت، وسئلنا عن هذه الأشياء؟ أليس الأفضل أن نجهز إجابة لهذا الوقت وبسرعة؟ يا ترى! لو عرفت أن عصابة تدبر لقتل وسرقة جارك ألا تفعل شيئاً، ألا تتحرك، ألا تأخذك حمية؟ فما بالك لو كان تدبيراً لقتل أمة وسرقة شعب؟ يا ترى! إذا كنت ماشياً في الشارع، ومعك ابنك عمره 8 سنوات أو 10 سنوات، فجاء يهودي وأطلق رصاصة استقرت في قلبه أو في رأسه، فسقط بين يديك وسالت دماؤه وأنت لا تملك علاجاً حتى مات أمام عينيك، فترفع رأسك فتجد أكثر من مليار مسلم يشاهدون ولا يتحركون، ألا ترفع يدك إلى السماء تدعو على من شاهد ولم يتحرك، وتدعو على من سمع ولم يعقل، وتدعو على من قرأ ولم يفقه؟ يا ترى! لو وضعت أموالك كلها في بيت أثثته بتعب وكد وعرق وجهد، ثم جاءت دبابة فأضاعت جهد السنين، وهدمت أحلام المستقبل، فخرجت تحمل من بقي من أولادك مهرولاً؛ هرباً من حطام بيتك وقد اشتعلت به النيران، فإذا بك تعلم أن أكثر من مليار مسلم يشاهدون ولا يتحركون، ألا ترفع يدك إلى لسماء تشكو إلى خالقك ظلم القريب والبعيد، وتشكو ظلم العدو والصديق؟ يا أخي! ضع نفسك في مكانهم، أليس هؤلاء من المسلمين المشتركين معك في عقيدة واحدة؟ أليسوا من البشر الذين لهم أحلام كأحلامك، وآمال كآمالك، وآلام كآلامك، أم أننا لنو