أنا أريد يا إخوة! في هذه المحاضرات أن أرسخ في الذهن مفهوم الأمة الإسلامية، فالأمة الإسلامية ليست مجموعة من الدول، تربطها علاقات سياسية واقتصادية وثقافية طيبة، لا، الأمة الإسلامية شيء آخر، الأمة الإسلامية كيان واحد وجسد واحد وروح واحدة: (مثل المسلمين في توادهم، وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى).
تدبر قوله صلى الله عليه وسلم، يقول: (مثل المسلمين في توادهم) يقول: المسلمين لا يقول: المصريين، ولا السوريين، ولا الباكستانيين أبداً، الرابطة التي تجمعنا جميعاً هي الإسلام وليس محل الميلاد، هذا هو الرباط الحقيقي، هذا هو الرباط الاختياري، المرء يختار عقيدته ودينه، لا يختار محل ميلاده، فالأفغاني المسلم الملتزم بدينه وقواعد الإسلام والذي يعيش على بعد آلاف الأميال مني أقرب إلي من الجار في نفس المنزل إذا كان على غير المنهج الصحيح.
أترانا لو ربطنا علاقتنا على كوننا فقط ولدنا على أرض واحدة، أيكون هذا رباطاً صحيحاً؟ ألمجرد أنه ولد على أرض مجاورة أصبح أخاً لي تقياً كان أو عربيداً، مؤمناً كان أو فاسقاً، مسلماً كان أو يهودياً؟ المسلمون يا إخوة جسد واحد، جسد يده في السودان ومصر والجزائر والمغرب، ورجله في سوريا ونيجيريا وباكستان والعراق، كبده في السنغال ومالي واليمن وقطر، عينه في الشيشان وكشمير والأردن وأندونيسيا، أذنه في البوسنة وتركيا والكويت والنيجر، قلبه في مكة والمدينة والقدس، (حسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، ليس معقولاً أن يكون القلب مريضاً، وتكون العينان مشغولتين برؤية الأفلام والمسلسلات والمسرحيات، وفي لهو كامل عن القلب، ليس معقولاً أن يكون الكبد متهالكاً، وتكون الأذن مشغولة بسماع النكات والألحان والمباريات والمشاكل التافهة، ليس معقولاً أن تكون الرجل مقطوعة، وتكون اليدان مشغولتين بعد الأموال وكنز الذهب والفضة، (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً).
أعداء المسلمين يريدون أن يرسخوا في أذهاننا حدوداً ليست بين الأراضي فقط، ولكن بين القلوب والعقول أيضاً، سياسة استعمارية مشهورة جداً، فرق تسد، وهذه المؤامرة التفريقية التي تكلمنا عليها في بداية الدروس، فقد أدخلوا في روع المسلمين أن يعتز كل بلد بقوميته، حتى يعتز الجزائري بنفسه، ويعتبر نفسه غريباً عن المصري، ويعتز الأردني بنفسه ويعتبر نفسه غريباً عن التركي وهكذا.
أدخلوا الفرقة في قلوب المسلمين حتى أصبح المسلم في بلد إذا ساعد مسلماًَ في بلد آخر يعتبر ذلك تفضلاً منه ومنةً على الآخرين، أبداً يا إخوة! هذه والله حقوق وليست فضائل، كالذي يدفع زكاته للفقير هذا لا يجب أن يمن على الفقير بزكاته، فالزكاة حق مكتسب وشرعي للفقير، والله قسم الأرزاق، فجعل الناس بين غني يعطي، وبين فقير يأخذ، كذلك قسم الله الابتلاءات على بلاد المسلمين، هذا بلد ابتلي باليهودي فعليه أن يقاوم، وهذا بلد ابتلي بالأمن والمال والرخاء فعليه أن يساعد لا تفضلاً منه بل واجباً عليه وامتحاناً له.
وبهذا المفهوم مفهوم الجسد الواحد تستطيع أن تفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الطبراني: (لا يقفن أحدكم موقفاً يضرب فيه رجل ظلماً، فإن اللعنة على من حضره، حين لم يدفعوا عنه)، ونحن والله في هذا الوقت لا توجد عندنا حجة، نرى ضرب الفلسطينيين بالرصاص والصواريخ والقنابل على شاشات التلفاز والإنترنت والصحف، نراه حال وقوعه فلا عذر لنا، الوقت يا أخي! ليس في صالحنا، الموت يأتي بغتة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:9 - 11].
ثم يا أخي! أنت لا تنصر إخوانك في فلسطين بدافع المسئولية فقط، إنه والله لأجر عظيم وثوابٌ جزيل، ولا أقول: جنة بل جنان: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة).
إذاً: على كل المسلمين عرباً كانوا أو غير عرب، قريبين من فلسطين أو بعيدين عنها، في بلد إسلامي أو في غيره من بلاد العالم غير المسلمة، عليهم جميعاً أن يحركوا قضية فلسطين وبسرعة، ولكن عليهم أن يحرصوا أن يحركوها بالمفاهيم الصحيحة، على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ترى ما هي هذه المفاهيم الصحيحة التي نريد أن ترسخ في أذهان المسلمين؟ هذا