شخصية عز الدين القسام وجهاده على أرض فلسطين

لكن طابع الثورات تغير كثيراً، وبدأت تأخذ مأخذ الجد، وتطبع بطابع الجهاد الأصيل؛ لما ظهرت شخصية عظيمة في أرض فلسطين جددت للأمة أمر دينها، وهو عز الدين القسام رحمه الله.

بطل مسلم، وعالم جليل، ومجاهد في سبيل الله، ورائد من رواد الكفاح ضد الاستعمار، رجل عجيب رحمه الله.

ولد في سوريا -وليس في فلسطين- سنة 1871م، ودرس في منارة مصر في الأزهر الشريف، وعاد إلى سوريا فوجد الاحتلال الفرنسي قد بدأ، فقاومه ببسالة حتى حكم عليه بالإعدام، وهرب إلى فلسطين، وهناك قام بالمقاومة ضد الإنجليز واليهود، سبحان الله! كل أرض المسلمين أرضه، وكل أعداء المسلمين أعداؤه.

نشأ عز الدين القسام رحمه الله في بيت بسيط جداً في سوريا، يعيش هو وأبوه وأمه وإخوته الكثر في غرفة واحدة، بل في ركن من أركانها، وتعيش في الركن الآخر من ذات الحجرة بقرة يمتلكونها، ومع ذلك فمن هذا المكان المتواضع خرجت شخصية عظيمة جليلة كشخصية عز الدين القسام رحمه الله.

وصل إلى أرض فلسطين في سنة 1922م؛ هرباً من حكم الإعدام الفرنسي، وهنا في فلسطين بدأ في أناة وصبر يكون جيلاً جديداً يؤمن بالجهاد طريقاً للتحرير، وظل ثلاث سنوات يعلم ويربي، وينظم ويرتب، وعمل خلال هذه السنوات الثلاث مدرساً وخطيباً، واتصل بكل طوائف الشعب الفلسطيني، وأعطى انطباعاً مختلفاً تماماً عن العلماء، فلم يكن يهتم بتزيين المساجد، والاحتفال بالموالد والأعياد، والحديث في الفرعيات، بل كان يدعوهم إلى التمسك بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلى الحب في الله والبغض في الله، وإلى الجهاد في سبيل الله، وكان يعلمهم أن الحقوق تؤخذ ولا تمنح.

ثم في سنة 1925م كون جماعة سرية مسلحة لتحرير فلسطين، وجعل فيها اختصاصات متعددة، ما بين فدائية عسكرية، وتعليمية إرشادية، وتمويلية اقتصادية، وسياسية تفاوضية، وجماهيرية تفاعلية، واجتماعية تعاونية؛ جماعة متكاملة شاملة.

ووصل عدد المنضمين إلى جماعة القسام في سنة 1930م إلى أكثر من ألف رجل، قسمهم عز الدين القسام إلى مجموعات صغيرة، كل مجموعة مكونة من خمسة أفراد عليهم رجل، وذلك على نسق مجموعات الأرقم بن أبي الأرقم، أو مجموعات بيعة العقبة الثانية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ أعوان القسام يتزايدون، ورغب البعض في إعلان الثورة المسلحة مبكراً، لكن عز الدين القسام كان قد استفاد من تجربة التسرع في سوريا، فلم يسمح بذلك، بل صبر حتى يأتي المناخ المناسب لإعلان الثورة المسلحة، وتطوير الجهاد في فلسطين، من مجرد مظاهرات ومؤتمرات، إلى سلاح ودماء وشهداء.

وقد هيأ الله المناخ المناسب بين سنتي (1933) م و (1935) م، وذلك لما تزايدت الهجرة اليهودية في سنة (1933) م، فقد هاجر 30000 يهودي إلى فلسطين، وفي سنة (1935) م هاجر ستون ألف يهودي إلى فلسطين.

لما تزايدت الهجرة اليهودية، وشعر عموم أهل فلسطين بالخطر، وأيقن الشيخ عز الدين القسام أنه لو قام الآن لقام معه كثير من أهل فلسطين من غير جماعته، وهنا أعلن الثورة المسلحة في أكتوبر سنة (1935) م، وبدأ القتال بالسلاح في أماكن مختلفة من شمال فلسطين، وبالذات في حيفا، حيث كان يسكن الشيخ القسام رحمه الله، وكان الهدف استعادة دوائر الحكومة، ومراكز الشرطة والميناء، وإعلان حكومة وطنية، وبدأ الشعب يعيش حلاوة الجهاد، واشترك الشيخ عز الدين القسام بنفسه في القتال، وكان يبلغ من العمر أربعة وستين عاماً، وسبحان الله! بعد أقل من شهر، وفي عشرين نوفمبر سنة 1935م لقي الشيخ المجاهد عز الدين القسام ما كان يتمنى، وما عاش لأجله، لقي الشهادة في سبيل الله صابراً محتسباً، حاملاً لسلاحه، رافعاً لرأسه، معلماً لأمته، استشهد في موقعة قرب جنين بأيدي الإنجليز، فاضت روحه الطاهرة رحمه الله، فظن الإنجليز واليهود أن الثورة قد أخمدت بموت قائدها، وظنوا أن هذه كانت النهاية لكتائب عز الدين القسام رحمه الله، لكن خاب ظنهم، وبار مكرهم، وجعل كيدهم في نحورهم.

يخطئ من يظن أنه جاهد أياماً فقط ثم مات، بل جاهد سنوات وسنوات، كان يربي الشعب، ويعدل من مساره، والتربية جهاد وأي جهاد.

كان استشهاد البطل المجاهد عز الدين القسام شرارة أشعلت الجهاد في قلوب الفلسطينيين، لم تكن النهاية أبداً، بل كانت البداية التي أيقظت الشعب المسلم، نقل القسام رحمه الله القضية من دور الكلام إلى دور العمل، وفتح بالقضية باب الجد، ودق بيده المضرجة بالدماء باب المجد، مات ولكن لم تمت كلماته: ليبع أحدكم كل شيء يملكه وليشتر السلاح، ومن ساعتها والشيخ القسام رمز لم ينس، ولن ينسى في تاريخ فلسطين والمسلمين.

وحمل الراية من بعده الشيخ فرحان السعدي، ودعا إلى الجهاد المسلح ضد الإنجليز واليهود، وتمكن الإنجليز من ا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015