بقي لنا المحور الرابع والخطير جداً، ألا وهو: التعليم والإعلام، وهما من أنجح الوسائل لتربية شعب أو لهدمه، فالتعليم والإعلام هما السلاحان الرئيسان للمؤامرة الفكرية، والتي ذكرنا خطورتها في أول محاضرة في هذه المجموعة.
فاليهود لم يكونوا يسيطرون على الإعلام في فلسطين فقط، بل كانوا يسيطرون على الإعلام في العالم، وكم من المرات يستخدمونه لإثبات حقوق باطلة، ولإلغاء حقوق صحيحة، وأنا سأتحدث عن إعلام اليهود في محاضرة لاحقة إن شاء الله في نفس المجموعة، لكن أود هنا أن أشير بسرعة إلى بعض النقاط في قضية التعليم اليهودي في فلسطين: أولاً: الاهتمام بالتعليم كان مبكراً جداً، لدرجة أنه في سنة 1921م -يعني: بعد أقل من أربع سنوات من دخول الإنجليز إلى فلسطين- جاء ونستون تشرشل بنفسه -وكان آنذاك وزير المستعمرات البريطاني- من إنجلترا ليضع حجر الأساس للجامعة العبرية فوق جبل الزيتون.
ثانياً: أنشأ اليهود دائرة تعليم خاصة بهم دون الفلسطينيين يكون التدريس فيها بالعبرية، فمن أيام تيودور هرتزل واليهود يحرصون على تعليم الناس العبرية كلغة أولى وأساسية، ليس فقط لتجميع الناس حول لغة واحدة، ولكن أيضاً لإدخال الاعتزاز بهذه اللغة وهذا الدين وهذه الأرض التي تتكلم بلغة موحدة.
فإن قيل: يا يهود! يمكن أن تكون لغة الطفل الإنجليزية ليست جيدة.
يقولون: ليس بمهم، المهم العبرية.
وإن قيل: يا يهود! هذا الولد قد لا يقدر أن يسافر للخارج لبعثة أو خلافه، يقولون: ليس بمهم، سيتعلم ذلك عندما يسافر.
وإن قيل: يا يهود! هذا الولد قد لا يجد عملاً عندما يكبر، وكل الفرص موجودة للذي يعرف كيف يتحدث الإنجليزية.
يقولون: ليس بمهم، خوفاً من أن يضعف الولد في العبرية أو يحب اللغة الإنجليزية أكثر من العبرية، أو لا يعرف كيف يقرأ التوراة.
لن أزيد في التكلم عن هذا واللبيب بالإشارة يفهم.
ثالثاً: اليهود في مدارسهم بدءوا يزرعون في قلوب أبنائهم الكراهية للفلسطينيين، ويثبتون في عقيدتهم أن الفلسطينيين معتدون إرهابيون، يريدون أن يخرجوكم من أرضكم بإرهابهم، فماذا تأمرون؟ يذكر لي أحد الإخوة من فلسطين أن اليهود كانوا يوزعون على الأطفال في المدارس شوكولاتة مرة جداً، ويقولون لهم: هذه جاءتكم من جاركم الفلسطيني، فيأكلها الأطفال فيجدونها مرة، فيعلمون أنه لا يأتيهم من أهل فلسطين إلا المرارة، مع أن بعض البلاد الإسلامية حذفت من مناهجها للأطفال الآيات والأحاديث التي تحض على قتال اليهود، وحذفت الغزوات النبوية ضد اليهود؛ حتى ترسخ في اليهود أنهم أصدقاء، وأبى الله ذلك والمؤمنون: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة:82].
المهم أن هذه هي المحاور الأربعة الرئيسية التي استخدمها اليهود كي يقوموا بتهويد فلسطين، من سنة 1918م إلى سنة 1948م.