أما المحور الثالث في الخطة اليهودية الإنجليزية فهو: السيطرة على الاقتصاد في فلسطين.
طبعاً الأموال اليهودية لا حصر لها كما هو معلوم، فحدث استقطاب عالمي لرءوس الأموال اليهودية؛ لتأتي وتقيم المشاريع في فلسطين، وهذه المشاريع الاقتصادية أجنبية، وإعطاء تسهيلات لإنعاش الاقتصاد -كما يقولون- كانت أحد الأسباب المباشرة لتمكين اليهود من احتلال فلسطين، فلنحذر أن يتكرر ذلك في قطر آخر، فقد حدث هذا النوع من الاحتلال الاقتصادي في فلسطين، بالإضافة إلى الاحتلال العسكري.
وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم خطورة هذا الاحتلال الاقتصادي؛ لأجل هذا عندما دخل المدينة المنورة وآخى بين المهاجرين والأنصار، وبين الأوس والخزرج، وعلم أنه قد أصبحت له دولة، بدأ يؤمن وضع الدولة الاقتصادي، سبحان الله! دين متكامل شامل: اقتصاد سياسة اجتماع جهاد صلاة رياضة سياحة قضاء، كل نواحي الحياة وفروعها.
دين عجيب: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت:42]، دين محكم: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:82]، دين قيم عظيم، نعتز ونفتخر ونسعد بالانتماء إليه.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوائل أيامه في المدينة يسعى إلى تأمين الوضع الاقتصادي، أمن الماء أولاً، فأمر بشراء بئر رومة، وكان يملكه يهودي.
واضح أن الصراع قديم جداً مع اليهود.
ثانياً: أمر ببناء سوق خاص بالمسلمين؛ حتى يستغني به عن أسواق اليهود، فقد كان اليهود يسيطرون على تجارة المدينة من خلال سوق بني قينقاع، فماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أمر بالبحث عن مكان لسوق المسلمين، وجرت أكثر من محاولة للبحث، ولم يصلوا إلى مكان مناسب إلا بعد جهد جهيد، روى الطبراني وابن ماجه عن أبي أسيد رضي الله عنه: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي! إني قد رأيت موضعاً للسوق، أفلا تنظر إليه؟ قال: بلى! فقام معه حتى جاء موضع السوق، فلما رآه أعجبه وركضه برجله ثم قال: نعم، هذا سوقكم، فلا ينتقصن، ولا يضربن عليه خراج)، وشجع المسلمين على التجارة فظهر التجار، وشجع على الزراعة فظهر الزراع، وشجع على الصناعة فظهر الصناع، وشجع الناس جميعاً على العمل مهما كان العمل بسيطاً ما دام شريفاً، روى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لئن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه).
وبذلك تحولت المدينة المنورة إلى خلية نحل، الكل يعمل لتقوية الاقتصاد الإسلامي، ولتحريره من سيطرة اليهود في المدينة، وهم في ذلك كله يبتغون وجه الله تعالى.
سبحان الله! ما أسعدهم.
أما الوضع في فلسطين فهو مختلف تماماً، اليهود سيطروا على معظم الاقتصاد في فلسطين، ولم تكن إنجلترا سلبية، بل ساعدت اليهود بسن قوانين تمكن لهم ذلك، من هذه القوانين: أولاً: رفع الضرائب والجمارك على المنتجات المستوردة شبيهة المنتجات اليهودية؛ حتى تسوق المنتجات اليهودية.
ثانياً: تخفيض الضرائب جداً على المواد الخام المستوردة التي يحتاجها اليهود في صناعتهم.
ثالثاً: تسليم اليهود المشاريع الضخمة المؤثرة -والمفروض أن هذه المشاريع تكون ملكاً للدولة- مثل شركات الكهرباء، واستغلال أملاح ومعادن البحر الميت.
أضرب لذلك مثالاً سريعاً يوضح وضع مدينة القدس الاقتصادي؛ حتى نتخيل السيطرة اليهودية على فلسطين: القدس كان فيها تسعة عشر مصرفاً، لليهود من هذه المصارف أربعة عشر مصرفاً.
القدس كان فيها اثنان وأربعون شركة لبيع أدوات البناء، لليهود منها ثلاثون شركة.
القدس كان فيها اثنان وستون شركة لشراء الأرض، اليهود لهم في هذه الشركات ستون شركة.
القدس كان فيها ست شركات آلات زراعية، لليهود خمس منها.
القدس كان فيها خمس وخمسون شركة للمقاولات الهندسية، لليهود منها أربعة وخمسون.
القدس كان فيها خمس وستون شركة طباعة، كلها لليهود.
ست عشرة شركة أدوية وأملاح ومعادن كلها لليهود.
طبعاً الوضع الاقتصادي المتردي للفلسطينيين والمتفوق لليهود كان من الدعامات الأساسية لتمكين اليهود من الاحتلال لفلسطين.
إذاً: تحدثنا إلى الآن عن ثلاثة محاور رئيسية استخدمها اليهود للسيطرة على فلسطين وتهويدها: محور التهجير، ومحور الأرض، ومحور السيطرة على الاقتصاد في فلسطين.