بريطانيا لا تهدأ أبداً، دسائس ومؤامرات على كل المستويات، توجهت إلى تركيا الجريحة ترسم خطوات النهاية، وصناعة الزعيم مصطفى كمال أتاتورك الذي تريد له أن يصعد على كرسي الحكم، وماذا يفعل بالخليفة؟ ومن هو مصطفى كمال أتاتورك حتى يستبدلوا الخليفة به؟ صناعة الزعيم تبدأ! إنجلترا تدبر معركة بين تركيا واليونان، وتدخل هي في صف اليونان، ويأتي مصطفى كمال أتاتورك ويحارب اليونان، ويحارب معها إنجلترا الدولة المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، فينسحب الإنجليز أمام مصطفى كمال أتاتورك، ويهرب اليونانيون، وينتصر البطل المقدام مصطفى كمال أتاتورك في معركة هائلة كما صوروها.
لكن -سبحان الله! - التاريخ يسجل هذه المعركة الهائلة لم يقتل فيها رجل واحد من الطرفين، التمثيلية لم تكن محبوكة، لكن أخبار الانتصار تنتشر في العالم بأسره، الصحافة اليهودية والإنجليزية تنشر أخبار الهزيمة الإنجليزية المرة، وأخبار البطل الجديد الذي أعاد لتركيا كرامتها، صور البطل في كل مكان، لقاءات مع كبار الساسة في العالم، ولا ينسون أن يلتقي بكبار رجال الدين الإسلامي؛ ويبدي في براعة حبه للإسلام وللمسلمين، ويضطر البطل أن يدخل المساجد ليظهر في الصورة وهو يصلي في خشوع، كما اضطر قبل ذلك تيودور هرتزل أن يدخل المعبد اليهودي تمثيلاً وتصنعاً، ويفتن به المسلمون، ويتمنون أن لو يتنازل فيتولى قيادتهم، حتى أن أحمد شوقي أمير الشعراء ظن فيه خيراً، وشبهه بـ خالد بن الوليد رضي الله عنه حيث قال: الله أكبر كم في الفتح من عجب يا خالد الترك جدد خالد العرب ثم دبرت مؤامرة أخرى: مؤتمر في الغرب، وثورات ومظاهرات وادعاءات وافتراءات، المهم صعد في النهاية البطل المغوار، حامي الإسلام والمسلمين، وهازم الإنجليز واليونانيين إلى كرسي الحكم.
وأقصي السلطان عبد المجيد بن عبد العزيز السلطان العثماني في ذلك الوقت، وكان ذلك في سنة 1924م في 3 مارس، وأعلن مصطفى كمال أتاتورك استقلال تركيا، واعترفت به مباشرة إنجلترا، وتحسنت علاقاتها جداً مع الدولة التي كانت تحاربها منذ شهور معدودات، واستلم مصطفى كمال أتاتورك الحكم، وفعل ما لم يكن يستطيع الإنجليز أن يفعلوه في سنوات عديدة، انظروا ماذا فعل مصطفى كمال أتاتورك مؤيداً بحزبه العلماني الاتحاد والترقي؟! ألغى الخلافة الإسلامية، وهي أول مرة منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلغى الخلافة الإسلامية، نعم.
ضعفت الخلافة الإسلامية قبل ذلك كثيراً، لكنها بقيت رمزاً يلتف حوله المسلمون ليقوموا من جديد، أما الآن فقد ألغى الخلافة الإسلامية تماماً، وفصل تركيا بالكامل عن الدول الإسلامية الأخرى، وفصل الدين بالكلية عن الدولة، وحرم لبس الحجاب الإسلامي، وفرض الأزياء الأوروبية، وألغى لعدة سنوات الاحتفال بعيدي الفطر والأضحى، ومنع المسلمين من أداء فريضة الحج، وأغلق عدداً كبيراً من المساجد، وحول مسجد أيا صوفيا إلى كنيسة، ثم إلى مخزن بعد ذلك، ومنع تعدد الزوجات، وأباح زواج المسلمة بغير المسلم، وألغى عطلة الجمعة وجعلها الأحد، ومنع الأذان للصلاة باللغة العربية، وأصر على أن يكون الأذان باللغة التركية، وألغى الحروف العربية من الكتابة، واستبدلها باللاتينية، وألغى من الدستور التركي المادة التي تنص على أن دين الدولة الإسلام، ونص في الدستور على أن تركيا دولة علمانية، وألغى الشريعة الإسلامية تماماً، واستبدلها بالقانون الإيطالي والسويسري، وألغى منصب شيخ الإسلام، وأجبر أئمة الدين على ارتداء القبعة بدلاً من العمامة، وألغى التقويم الهجري، وأباح الردة عن الإسلام، وساوى بين الذكر والأنثى في الميراث، وأعدم أكثر من مائة وخمسين من علماء المسلمين، وألغى من اسمه كلمة: (مصطفى)، واكتفى بـ (كمال أتاتورك)، وأوصى في وصيته قبل موته ألا يصلى عليه.
ولما مات احتار مقربوه هل يصلون عليه أم لا في ظل علمانية الدولة وفي ظل وصيته؟ وفي النهاية صلى عليه أحدهم منفرداً، وذهبوا به إلى قبره ليجد أعماله في انتظاره، ويا له من لقاء! وهكذا سقطت الخلافة العثمانية، وقامت الدول العلمانية، وضاعت هيبة الدين، وتُركت فلسطين لمصيرها لا يدافع عنها إلا قومها، أما من حولها من الزعماء فلم يتركوها فقط، بل ساهموا في تضييعها إسهاماً.
هذه الزعامات -التي سادت آنذاك وكانت وبالاً على الأمة- صدق فيهم قول الشاعر -يتحدث عن الأمة الإسلامية وزعمائها فيقول-: عجيب أمرها حقاً إذ الدنيا بها تشقى وما زالت لهاوية بكل غبائها ترقى وساستها أرى القطرا ن من نياتهم أنقى ضلالات تراودهم وقد هاموا بها عشقا وصاروا طوع قبضتها عبيداً أدمنوا الرقا قلوباً لا تعي شيئاً وأرشد من بهم حمقا وبات الخرق متسعاً وما اسطاعوا له رتقا وتحسبهم على علم وهم في جهلهم حمقى وفي