رابعاً: في سنة 1917م في أيام الحرب العالمية الأولى حدث معها كوارث جديدة كثيرة على المسلمين عددت منها أربعاً: الكارثة الأولى: وعد بلفور، وبلفور هذا هو وزير خارجية بريطانيا آنذاك، ووعده هذا عبارة عن خطاب أرسله إلى اللورد اليهودي روتشلد الممول اليهودي المشهور مؤرخاً بتاريخ 2/ 11/1917م، وهو مجرد خطاب لا يحمل أي صبغة قانونية، ومع ذلك أصبح الأصل الرئيسي الذي يعتمد عليه اليهود في إقامة دولتهم.
قال بلفور في وعده: إن الحكومة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وسوف تبذل خير مساعيها لتسهيل بلوغ هذه الغاية.
ثم انظروا إلى التحذير الرحيم من بلفور: وليكن معلوماً أنه لا يسمح بإجراء شيء يلحق الضرر بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين الآن.
ما أعظم الرحمة الإنجليزية!! لا يمكن أبداً أن يضروا المدنيين والحقوق الدينية، وإنما سيرسلون البوارج لتدمر، والطائرات لتقصف، والمدافع لتدك، والجنود لتقتل وتذبح، لكن سيرسلون معها الغذاء والدواء والكساء رحمة، كل هذا من منظور الشيطان.
ثم انظر إلى تضليلهم عندما قالوا: للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين، هذه الطوائف غير اليهودية هم أصحاب البلد الأصليين الآن، وهي تمثل 92% من سكان فلسطين، مع أن كلمة طوائف تعطي انطباعاً أنهم أقلية، لكنه خداع اللفظ وغياب الضمير.
وفي هذا التوقيت الذي صدر فيه ما يسمى بوعد بلفور لم تكن إنجلترا تملك شيئاً في المنطقة، ولم تكن جيوشها قد دخلت فلسطين بعد، ومع ذلك وعدوا اليهود بها، وهكذا صدق عليهم قول القائل: أعطى بلفور ما لا يملك لمن لا يستحق.
وافقت فرنسا على وعد بلفور مباشرة في سنة 1918م بعد الوعد بثلاثة شهور، ووافقت أمريكا عليه رسمياً في سنة 1922م بعده بأربع سنوات.
ومن الممكن أن يطرأ في ذهني سؤال، لماذا تعجلت بريطانيا بإعطاء وعد بلفور لليهود قبل دخول الجيوش البريطانية إلى فلسطين؟ الجيوش على الأبواب وأصبح الدخول وشيكاً جداً، والوعد ستكون له مصداقية أكبر لو كان الإنجليز يملكون البلاد، فلماذا تعجلوا في إعطائه قبل أن يدخلوا فلسطين؟ الواقع أن المصالح تحكم كل شيء في تصرفات هذه الدول الاستعمارية، فإنجلترا كانت تسابق الزمن؛ لأن أموراً أخرى سوف تحدث على الساحة قريباً، وهي تريد شراء ود اليهود إلى أقصى درجة.
أولاً: في هذا التوقيت رأت إنجلترا أن ألمانيا والنمسا بدأتا تتقربان من اليهود أثناء الحرب، وبالذات من يهود روسيا التي تشترك مع الحلفاء إنجلترا وفرنسا ضدهما، فسيخسر الإنجليز اليهود في وقت حرج.
ثانياً: الوضع في روسيا حرج جداً جداً، فهناك جمعيات سرية كثيرة جداً انتشرت، والأفكار الشيوعية بدأت تظهر بوضوح، وإمكانية حدوث انقلاب شيوعي في روسيا واردة في أي لحظة، والإنجليز يعلمون أن اليهود وراء ذلك كله، فإذا قامت الثورة الشيوعية فإنها ستسمع وتطيع لليهود، وبذلك قد يأمر اليهود بانسحاب روسيا من الحرب العالمية الأولى، وبذلك تضعف الجبهة الشرقية للحلفاء.
ثالثاً: إنجلترا تعلم أن لليهود تأثيراً خاصاً على الأمريكان، وقد بلغ هذا التأثير مداه لما دفع اليهود الأمريكان للاشتراك في الحرب بالعالمية الأولى إلى جانب الحلفاء، ولا بد من مكافأة سريعة؛ كي تستمر أمريكا في القتال.
رابعاً: إنجلترا ستدخل في فلسطين بعد أيام، ولا بد أن تضمن ولاء اليهود داخل أرض فلسطين، فقد يظن اليهود أن الإنجليز نسوا وعودهم القديمة، وأنهم سيأخذون فلسطين لهم، فأراد بلفور أن يؤكد لليهود في صراحة: أننا ما زلنا على العهد، وما زلنا على اتفاقنا القديم، والإنجليز يحتاجون إلى اليهود داخل أرض فلسطين، فهم يسهلون لهم الاحتلال، سواء بالمعلومات والتجسس أو بالقتال معهم ضد المسلمين.
تبقى مشكلة واضحة بسيطة أمام الإنجليز وهي أن إصدار هذا الوعد في هذا التوقيت قد يغضب العرب الذين يضربون في ظهر الخلافة العثمانية، لكن ما لبث الإنجليز أن طردوا هذا الهاجس من أذهانهم، فإن لهم رجلاً من العرب سيتحدثون باسمهم ويقنعون شعوب العرب أن إنجلترا الدولة الصديقة لا تفعل ذلك إلا لمصلحتنا ولمصلحة البشرية جمعاء، كيف ذلك؟ لا نفهم.
وقد كان ما توقعه الإنجليز، وكان لهم رجال قاموا بكل ما طلبوا منهم دون اعتراض ولا استفسار، إذاً: هذه كارثة أولى حدثت في سنة 1917م وعد بلفور.
الكارثة الثانية: هي ظهور شخصية مقيتة جداً في التاريخ الإسلامي، هذه الشخصية كانت معولاً أساسياً لهدم الخلافة العثمانية، تلك هي شخصية الضابط مصطفى كمال الملقب بـ أتاتورك أو أبو الأتراك، مصطفى كمال أتاتورك كان قائد الجيش العثماني في منطقة فلسطين، وكان عضواً في جمعية الاتحاد والترقي مشبعاً بكل الأفكار العلمانية التي زرعها ال