ثانياً: مع كل هذه الكوارث إلا أن الأيام تحمل للمسلمين آلاماً أشد وجروحاً أعمق، فقد وقعت كارثة جديدة كبيرة، وهي اتفاقية الشريف حسين حاكم مكة العربي وليس التركي مع مكماهون الزعيم الإنجليزي، الشريف حسين عنده نوازع قومية عربية استقلالية، والحرب دائرة بين الخلافة العثمانية وإنجلترا، وهو يمثل معارضة ضد النظام الإسلامي الحاكم، فلماذا لا يضع الإنجليز أيديهم في يده؛ ليتعاونوا في هدف واحد وهو إسقاط النظام الحاكم المسلم، وتقاسم الكعكة بعد ذلك، والكعكة بكاملها إسلامية؟ اتفاقية الشريف حسين مع مكماهون الإنجليزي تمت بتدبير من ضابط المخابرات الإنجليزي الجنسية اليهودي الديانة لورانس، وهو ضابط مشهور جداً في تاريخنا، وتمت الاتفاقية في سنة (1915) م، وفيها عرضت إنجلترا على الشريف حسين وعوداً ضخمة جداً: 1 - إنشاء مملكة للعرب يكون الشريف حسين ملكاً عليها، هذه المملكة تضم الحجاز، والعراق، وسوريا، والأردن وعاصمتها مكة المكرمة زادها الله تكريماً وتعظيماً: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء:120].
2 - استثناء بعض الأماكن في المملكة لا تعطى، ولا ندري هل ذكر سبب الاستثناء في الاتفاقية أم لا؟ ولكن الأيام وضحت لماذا تم الاستثناء؟ استثناء الإسكندرونة من سوريا؛ لأنها سوف تهدى إلى تركيا وحزب الاتحاد والترقي نظير المساعدة في إهلاك الخلافة العثمانية، كذلك لبنان تستثنى؛ لأنها ستحول إلى دولة موارنة تحت رعاية فرنسية، فلسطين المسلمة تستثنى أيضاًَ لا تدخل في المملكة العربية؛ لأنها تجهز لتكون وطناً لليهود.
3 - التعاون الاقتصادي بين المملكة العربية التي سوف تقوم، والمملكة البريطانية، يعني إنجلترا ستصنع والمملكة العربية تشتري.
4 - تعاون عسكري بين المملكتين.
وطبعاً التعاون العسكري يعني: الحماية الإنجليزية للمملكة العربية في نظير حماية المصالح الإنجليزية في المنطقة الإسلامية، وإلا لا يتخيل أحد أنه لو حدث هجوم على لندن مثلاً أن يتحرك الشريف حسين بقواته لنجدة الإنجليز هناك.
هذه العروض السخية من الإمبراطورية الاستعمارية البريطانية في مقابل أن يحمل الشريف حسين سيفه ومدفعه، ويأخذ أحبابه وأصحابه وأهله وجيشه وقومه ويضرب الخلافة العثمانية الإسلامية في ظهرها، بينما الخلافة العثمانية تحارب في الغرب والشمال أوروبا الشرقية وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا، وتحارب في الشرق روسيا القيصرية، يأتي الشريف ويطعن في الجنوب ويضرب الجيش التركي المسلم في الشام وفلسطين.
لكن لا يجب طبعاً أن يخرج في صورة الخارج عن النظام، والراغب في هدم الكيان والساعي إلى نصرة الصليبيين لا.
فلنطلق على هذا الخروج اسمًا جميلاً حضارياً: الثورة العربية الكبرى، ثورة -كما يقولون- على الظلم والاستبداد واحتلال الأتراك للعرب.
وتحركت الجيوش العربية بقيادة الأمير فيصل بن الشريف حسين إلى الشام لحرب الجيوش العثمانية المسلمة، وفي ذات الوقت تحركت الجيوش الإنجليزية والفرنسية لتساعد الثورة العربية الكبرى على زعمهم، إذاً في أيام الحرب العالمية الأولى حدثت أمور خطيرة، كما ذكرنا: أولاً: تدمير القوة العسكرية العثمانية في أوروبا وآسيا.
ثانياً: معاهدة الشريف حسين مع مكماهون.