خامساً: إن أخطر الآثار على المناداة بعروبة فلسطين هي تغير الغاية من القتال، وفقدان العنصر الحقيقي للنصر وهو قوة العقيدة الإسلامية، وطبق هذا الكلام معي على قضية فلسطين، فالسلطة العلمانية لا تربط منهجها بالله سبحانه وتعالى وبرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، بل تربطه فقط بالآباء والأجداد وكأن لسان حالهم يقول: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:22]، هذه السلطة العلمانية تشعر أن قوتها قوة ذاتية في أفرادها، وليس في كونها تعمل لله عز وجل، بينما السلطة الإسلامية تشعر أن قوتها مستمدة من الله الخالق وليس من غيره من المخلوقات، وإن شعرت السلطة العلمانية بضعف وذل تلجأ إلى عموم البشر الأقوياء في نظرها، ولا تنظر إلى الدستور الصحيح الذي يحدد طريقة السير وطريقة الحياة، تلجأ إلى غيرها ممن يعتزون بآبائهم مثلما تعتز هي بآبائها، بل وقد تحارب من ينادون بإسلامية المنهج وإسلامية الطريق، قد تلجأ السلطة العلمانية إلى روسيا باعتبارها صديقاً قديماً، وتنسى أنهم لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، وتنسى أن روسيا لما واجهت مشكلة مع إخوان الفلسطينيين في الشيشان ما كان لها حل إلا القتل والإبادة، فكيف ترجو منها تأييداً في فلسطين لذات القوم الذين تقاتلهم في الشيشان؟! وقد تلجأ إلى بريطانيا وفرنسا، وتنسى أن بريطانيا هي التي زرعت إسرائيل في فلسطين بتأييد فرنسي كما سيأتي في تاريخ فلسطين، وتنسى أن طائرات بريطانيا ما زالت تقصف إخوانهم في العراق، بل وقد تلجأ وفي سفه شديد إلى أمريكا، مع علمها أنها المؤيد الأول والداعم والمستمر لكل ما تفعله إسرائيل، فإذا بحكام هذه السلطة يرسلون الرسائل إلى رؤساء أمريكا يطلبون منهم أن يوقفوا عنف إسرائيل، سبحان الله! بل والعجب العجاب أنهم قد يلجئون إلى إسرائيل ذاتها بتنسيقات أمنية وترتيبات عجيبة يدفع ثمنها الإسلاميون من أهل فلسطين، وهكذا يبحثون عن عزتهم في مناهج كثيرة وقوى متعددة، ولا يفكرون ما داموا ينطلقون من مبدأ عنصري وهو العروبة فقط في الذهاب إلى المنهج الإسلامي: {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء:139]، ولو ذهبوا أحياناً إلى المنهج الإسلامي فإنه يكون على سبيل الاضطرار لا الرغبة، أحياناً يطلقون الإسلاميين لإرهاب العدو لا اقتناعاً بمنهجهم، أحياناً يزورون باكستان أو إيران لعلها تفعل ما لم يفعله أبناء العمومة من العرب اضطراراً غير مقصود لا يغني عند الله شيئاً.
فإلى هؤلاء الذين يعتزون بعروبتهم بديلاً عن إسلاميتهم أنقل إليهم قولاً لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وهو قول مشهور: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، وإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، إن كنتم تشعرون بذل فاعلموا أنكم قد ابتغيتم العزة في غير موضعها، فنصر المسلمين يا إخوة! يستمد من نصر الله لهم، ونصر الله لهم يستمد من نصرهم لله: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]، وكيف ننصر الله؟ ننصره بتطبيق شرعه، نصره بطاعة أوامره، ننصره باجتناب نواهيه، ننصره بالالتزام بطريق نبيه صلى الله عليه وسلم، ننصره بالبعد عن العنصرية والفرقة.
خبر قرأته في صحيفة أمريكية والله ظننته خبراً كيدياً وما ظننت أنه خبر صحيح حتى تيقنت من بعض الفلسطينيين هناك، تهنئة أمريكية للسلطة هناك في فلسطين بإنشاء أكبر مصدر من مصادر الاقتصاد الفلسطيني هناك، يا ترى! ما هو أكبر مصدر سيمد الدولة الفلسطينية الناشئة؟ ما هو المصدر الذي سيمدها بالمال والطاقة؟ المصدر هو إنشاء أكبر نادٍ للقمار في الشرق الأوسط في أريحا، نعم، والله يا إخوة! ولا حول ولا قوة إلا بالله، أكبر نادٍ للقمار، ولما سئلوا عن ذلك قالوا: إن القمار محرم في إسرائيل، لا يوجد نوادي قمار هناك في إسرائيل؛ ولذلك أنشئوا هذا النادي في أريحا، حتى يخدعوا اليهود، يجعلونهم يأتون إلى أريحا ليصرفوا نقودهم هناك، ويصبح المصدر الرئيسي للدخل الفلسطيني من القمار.
فهذا منهج علماني بعيد تماماً عن أسباب النصر الحقيقية للمسلمين، كما أن معظم المطلوبين من قبل إسرائيل بتهمة أنهم يرهبون إسرائيل عاشوا شهوراً وسنوات في سجون السلطة العربية في فلسطين.
شيء خطير جداً إلغاء إسلامية القضية وجعلها قضية عربية عنصرية فقط، والله شاهدت ملصقاً يوزع في المكتبات الإسلامية وهو عجيب جداً حيث إنه مكتوب عليه: القدس عربية، القدس عربية، يعني: أولاً: تكلمنا في الدرس السابق عن قضية القدس وفلسطين والفرق بينهما فهو يعني: صغر القضية جداً وجعلها القدس، ثم لم يقل إسلامية أيضاً، ضيع الوجهة أصبحت القدس عربية، وأشد من هذا أنك عندما تنظر إلى هذا الملصق تجد أنه قد رسم عليه قبة الصخرة ولم يرسم عليه المسجد الأقصى.