ثانياً: هل يحرر المسلمون فلسطين لأن كنعان كان يسكن فيها أولاً؟ تعالوا بنا نفكر بهدوء، هل نتشرف بانتمائنا إلى كنعان؟ إن قبائل كنعان هذه كانت قبائل وثنية عربية تعيش في أرض فلسطين منذ قديم الزمان، وهم -أي: اليهود- يقولون: إن داود وسليمان عليهما السلام كانا يعيشان في هذه البلاد، ومن قبلهما يعقوب وإسحاق وإبراهيم عليهم جميعهاً أفضل الصلاة والتسليم، والحق أقول: نعم.
كان كنعان يعيش قبل هؤلاء الأنبياء في فلسطين، لكن ألا يشرفني الانتماء إلى هؤلاء الأنبياء المرسلين عن الانتماء إلى كنعان، فإن بيننا وبين هؤلاء الأنبياء أخوة العقيدة والإيمان بالله، بينما بيني وبين كنعان كره في الله، أكرهه لأنه كان يسجد لصنم من دون الله.
وهكذا يكون الأساس الذي يبني عليه المسلم علاقاته، الحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285]، لا نفعل مثلما فعل كاتب مصري مشهور، يكتب عموداً ثابتاً في صحيفة مشهورة من أن اليهود من طبعهم الغدر وإنكار الجميل، حتى إن موسى عليه الصلاة والسلام -والكلام للمؤلف- قد قتل المصري وهرب، ولم يراع حق المصريين الذين ربوه وأطعموه وحملوه فوق رءوسهم.
يعني: هذا المؤلف يطعن طعناً مباشراً في نبي من أنبياء الله لأنه إسرائيلي.
سبحان الله! هذا النبي من أولي العزم من الرسل، ولا يجوز أبداً أبداً أن يدفعنا كرهنا لليهود أن نكره أنبياءهم الذين هم رسل الله، هذا خطأ كبير جداً في الفهم، وأقل ما يوصف به فعل هذا المفكر أن هذا سوء أدب مع الأنبياء, ونسأل الله أن يكون قد ارتكبه عن جهل، وإلا فالعواقب خطيرة، بل خطيرة جداً.
وسؤال يهمس في أذنك: أيهما أشرف لك أن تنتمي إلى أبي جهل العربي القرشي الكافر أم إلى بلال الحبشي المؤمن وليس بعربي؟ أيهما أشرف لك أن تنتمي إلى أبي لهب العربي القرشي الكافر، أم إلى طارق بن زياد البربري المؤمن وليس بعربي؟ أيهما أشرف لك أن تنتمي إلى الوليد بن المغيرة العربي القرشي الكافر، أم إلى صلاح الدين الأيوبي الكردي المؤمن وليس بعربي؟ طبعاً نحن لدينا خلفية أن صلاح الدين عربي؛ لأن الفيلم المشهور الذي عرضوه ويتكلم عن صلاح الدين الأيوبي جاءوا به وفيه كلمة مزورة على لسان صلاح الدين الأيوبي، أنه يقول: نحن العرب فعلنا كذا وكذا.
والأصل أننا نحن المسلمون.
أيهما أشرف لك أن تنتمي إلى أمية بن خلف العربي القرشي الكافر، أم إلى محمد الفاتح التركي فاتح القسطنطينية المؤمن وليس بعربي؟ أيهما أشرف لك أن تنتمي إلى النضر بن الحارث العربي القرشي الكافر أم إلى قطز المملوكي الشركسي المؤمن وليس بعربي؟ نعم، الآن اكتشفنا أن كثيراً من رموزنا الإسلامية العظيمة ليست بعربية، فنحن يا إخوة! لا نحرر فلسطين لكونها سكنت بـ كنعان الوثني أولاً، نحن نحررها لأنها بكاملها قطر إسلامي فتح بالإسلام كما ذكرنا.