التعليق الثاني: أنه حتى لو استكملت صفات الدعاء المستجاب لا يجب أبداً أن يتعجل الإنسان الإجابة؛ لأن الله بحكمته يختار الوقت الأنسب للإجابة.
روى الإمام مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي) أمر خطير، أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف دعا دعاء مستفيضاً، وهو شديد الحزن بعد خروجه من الطائف، وقد آذاه أهلها وسفهاؤها، وانظر إليه في دعائه يسطّر قاعدة مهمة للمسلمين يقول: (إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي).
فميعاد النصر تختاره أنت يا ربنا! لكن الذي يهمنا هو ألا نرتكب ما يغضبك، ثم استجاب الله لدعائه بعدها بأيام عندما أسلم ستة من الخزرج، ثم بعد أكثر من عامين تأتي الهجرة والنصرة المتدرجة المتأنية، ثم بعد الهجرة بسنتين تأتي بدر ويتم النصر الكبير، من الذي كان يدعو بعد الطائف؟ كان الذي يدعو هو أحب الخلق إلى الله عز وجل محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فلكل حدث ميعاد لن يتبدل هذا الميعاد ولن يتغير، يختاره الله سبحانه وتعالى بحكمته وقدرته وهو دائماً في صالح المؤمنين: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216].
ثم إنك يا أخي الحبيب! مستفيد على كل الأحوال، سواء عُجّل بالإجابة أم لم يُعجَّل، واستمع إلى حبيبنا ومعلمنا صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه: (ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجّل له دعوته، وإما أن يدّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها).
يقول ابن الجوزي رحمه الله: اعلم أن دعاء المؤمن لا يُرد، غير أنه قد يكون الأولى تأخير الإجابة، أو يعوض بما هو أولى عاجلاً أو آجلاً، فينبغي للمؤمن ألا يترك الطلب من ربه، فإنه متعبّد بالدعاء كما هو متعبّد بالتسليم والتفويض.