ولا يثنيه عن وثبته الأموية بعد المدى، ووعورة الطريق، وما يعتور السبيل إليها من أخطار وخطوب أهونها الموت، لأنه ألف حمل الخطوب، وتعود الصبر، وأعد للنائبات عزائم تروض إباء الدهر إذا شمس الدهر، ولم يحفل بالدنيا وهي غضة غريضة ولم يبال بها، أفيقبل عليها وهي جافة ذابلة، وهل تثنيه عن مرامه لذاذاتها؟
اسمعه حين يقول:
سل الدهر عني أي خطب أمارس ... وعن ضحكي في وجهه وهو عابس
سأحمل أعباء الخطوب فطالما ... تماشت على الأين الجمال القناعس
وأنتظر العقبى وإن بعد المدى ... وأرقب ضوء الفجر والليل دامس
وإني لأقري النائبات عزائما ... تروض إباء الدهر والدهر شامس
وأحقر دنيا تسترق لها الطلى ... مطامع لحظي دونها متشاوس
تجافيت عنها وهي خود غريرة ... فهل أبتغيها وهي شمطاء عانس
ولي مقلة وحشية لا تروقها ... نفائس تحويها نفوس خسائس
ولا يثنيه عنها رقة حاله، ورثاثة أطماره، فهو كالسيف القاطع البتار، لا يضره الغمد، وهمته كامنة في ضمير الدهر، ولا بد للضمير المستتر أن يظهر:
رأت أميمة أطماري وناظرها ... يعوم في الدمع منهلاً بوادره
وما درت أن في أثنائها رجلاً ... ترخي على الأسد الضاري غدائره
أغر في ملتقى أوداجه صيد ... حمر مناصله بيض عشائره
إن رث بردي فليس السيف محتفلاً ... بالغمد وهو وميض الغرب باتره
وهمتي في ضمير الدهر كامنة ... وسوف يظهر ما تخفي ضمائره
وكأنك تسأل بعد هذا كلِّه، ألم يلق الشاعر شدة وعناء وهو يصرح بذكر الوثبة الأموية، ويدعو إليها علناً في ظلِّ الحكم العباسي، ألم يتنكَّر له أولو الأمر، ويزوروا عنه ويناوئوه العداوة، ويبطشوا به؟ وها هو ذا الشاعر يخبرك بأنه لقي أذى كثيراً، وشراً مستطيراً، فريع من غير أن يذنب، وجفي من غير أن يخون؛ ولكنه اعتصم بالصبر، ولاذ بالحزم، ولم يلن ولم يشك ولم ينهزم: