وقد طرقتني النائبات بحادث ... لو أن الصفا يرمى به لتصدعا
أراع ولم أذنب وأجفى ولم أخن ... وقد صدَّق الواشي فأخنى وأقذعا
ولست وإن عض الزمان بغاربي ... أطيل على الضراء مبكى ومجزعا
إذا ما أغام الخطب لم أحتفل به ... وضاجعت فيه الصبر حتى تقشعا
ولماذا يذل ويخضع، وهو إن ضاقت عنه بلدة فستتسع له أخرى، وحسب البلدة عاراً أن يرحل الشاعر عنها، وإن أدلت عليه بابل بسحرها الحرام، فهو يدل عليها بسحره الحلال، ويجعل من شعره حيثما حلَّ بابل:
أبابل لا واديك بالرفد منعم ... لدينا ولا ناديك بالوفد آهل
لئن ضقت عنا فالبلاد فسيحة ... وحسبك عاراً أنني عنك راحل
وإن كنت بالسحر الحرام مدلة ... فعندي من السحر الحلال دلائل
قواف تعير الأعين النجل سحرها ... فكل مكان خيمت فيه بابل
وأي فتى ماضي العزيمة راعه ... ملوكك لا روَّى رباعك وابل
...
وبعدُ ... فاسمع الشاعر نفسه يصف لك شخصيته، ويخبرك أنه يمدح ويأخذ، ولكنه أعزّ من أن يملكه الملوك بثوابهم ونوالهم، وأنه لا يستسيغ الذلَّ ولا يحب أن يتمرغ فيه ظهراً لبطن، ولا يألف حياة الدعة والأمن في ظِلِّ الروض بين الكاس والطاس، ولا يفرق من المنايا ويخشى المهالك، ولكنه يريد أن يثيرها حرباً عواناً في سبيل غاياته ومطامحه:
سواي يجرُّ هفوته التظني ... ويرخي عقد حبوته التمني
ويلبس جيده أطواق نعمى ... تشف وراءها أغلال منِّ
إذا ما سامه اللؤماء ضيماً ... تمرَّغ في الأذى ظهراً لبطن
وظلَّ نديم عاطيه وروض ... وبات صريع باطية ودنِّ
وأشعر قلبه فرق المنايا ... وأودع سمعه نغم المغني
وصلصلة اللجام لدي أحرى ... بعز في مباءته مبنِّ