فمن كان له هذا المجد التليد، ينم عنه هذا المنطق المبين:
ينمُّ بمجدي حين أفخر منطقي ... ويعرب عن عتق المذاكي صهيلها
ومن كان سليل الملوك، وشاعر العصر، وذا المجدين: المجد الموروث وهو هذا النسب العالي النبيل، والمجد المكسوب وهو هذا البيان الصافي الأصيل، كان له أن يقوم بين أيدي ممدوحيه مقام العزيز الشامخ بأنفه، وأن يصرخ في وجه الوزير، وقد قام مادحاً له، فنسيه وذكر نفسه، فانقلب منافراً مفاخراً:
وسل بي المجد تعلم أيّ ذي حسب ... في بردتيَّ إذا ما حادث هجما
يلين للخل في عزّ عريكته ... محض الهوى وله العتبى إذا ظلما
من معشر لا يناجي الضيم جارهم ... نضو الهموم غضيض الطرف مهتضما
والدهر يعلم أني لا أذل له ... فكيف أفتح بالشكوى إليه فما
وكيف يشكو الدهر، وشعره غرة في جبين الدهر:
وكيف يشكو الدهر من شعره ... على جبين الدهر مكتوب؟
أو لست تذكر المتنبي شاعرنا الأكبر، حين تقرأ للأبيوردي فخره بنفسه وتمدحه بإدلاجه في الليل، وانفراده في الفلوات ترنو إليه النجوم وهو ساع ليكسب قومه عزاً وفخراً في مطلع قصيدة يمدح فيها ويهنئ بالعيد. قال:
وبي عن خطة الضيم ازورار ... إذا ما جدَّ للعلياء جدي
فهل من مبلغ سروات قومي ... مصاحبتي على العَزَّاء غمدي
وإدلاجي وجنح الليل طاو ... جناحيه على نصب وكدّ
وقد رنت النجوم إليَّ خُوصاً ... بأعين كاسرات الطرف رُمد
لأورثهم مكارم صالحات ... شفعت طريفها لهم بِتَلْدِ
وهو لا يزال أبداً يحب أن يجمع إلى المجد التليد مجداً طريفاً وأن يؤيد المجد الموروث بمجد مكسوب، لا يقنع بعلو نسبه ورفعة أجداده: