وكان عارفاً بقيمة شعره، مؤمناً بعلو منزلته وجلالة قدره، فهو يوجه إليه أنظار ممدوحيه ويدل به عليهم، ويمن على من يمدحهم بأن ملوك الأرض يتمنون أن يمدحوا به، ولكنه لا يتنازل إلى مدحهم، ولا يعرج عليهم، ولا يلتفت إليهم:
قليل إلى الري الذليل التفاته ... وإن كثرت للواردين المناهل
...
فدونك مما ينظم الفكر شرداً ... سلبن حصى المرجان كل نظام
تسير بشكر غائر الذكر منجد ... يناجي لسانَيْ معرق وشآمي
ويهوى ملوك الأرض أن يمدحوا بها ... وما كل سمع يرتضيه كلامي
...
وكم ماجد يبغي ثناء أصوغه ... ولكنني عن مدع غيرك أزورُّ
ويودع سيداً كبيراً فلا يجد ما يأسف عليه عند وداعه إلا هذا الشعر الذي يضيق به الحساد، و (تكبو دونه الشعراء) وتنشده الأيام، أن يضيع بعد رحيله ولا يبقى له أهل يخاطبون به:
رحلت فالمجد لم ترقأ مدامعه ... ولم ترق علينا المزن أكبادا
وضاع شعر يضيق الحاسدون به ... ذرعاً وتوسعه الأيام إنشادا
فلم أهب بالقوافي بعد بينكم ... ولا حمدت وقد جربت أجوادا
...
وإذا أنت سألت الشاعر عن منزلته في الشعر لما تردد في القول بأنه فاق الشعراء وبذَّهم؛ فإذا عجبت منه كيف يعجز الشعراء ويبذهم وهو واحد منهم، أجابك جواب المطمئن المؤمن بما يقول: المعتد بنفسه قائلاً:
فقد الأعاريب في شعر فأنت به ... كأنه لؤلؤ في السلك منضود
إن كان يعجزهم قولي ويجمعنا ... أصل فقد تلد الخمر العناقيد