قال الأبِيورْدي:
تنكَّر لي دهري ولم يدرِ أنني ... أعزُّ وأحداث الزمان تهون
فبات يُريني الخطب كيف اعتداؤه ... وبتُّ أريه الصبر كيف يكون
والأبيوردي هو أبو المظفر محمد بن أحمد الأبيوردي المعاويّ الأمويّ العبشميّ الذي يقول:
ملكنا أقاليم البلاد فأذعنت ... لنا رغبة أو رهبة أُمراؤها
فلما انتهت أيامنا علقت بنا ... شدائد أيام قليل رخاؤها
وكان إلينا في السرور ابتسامها ... فصار علينا في الهموم بكاؤها
وصرنا نلاقي النائبات بأوجه ... رقاق الحواشي كاد يقطر ماؤها
إذا ما هممنا أن نبوح بما جنت ... علينا الليالي لم يدعنا حياؤها
...
هذه نفس الأبيوردي، وهذا شعره.
قال الشعر فأكثر، وسار فيه على سنن من تقدمه وعاصره، فمدح وهجا وتغزَّل، واستنفد المدح أكثر شعره، وعُني بالصناعة البديعية، وغاص على المعاني المبتكرة، والتوليدات الدقيقة؛ وكان شأنه في ذلك شأن جمهرة الشعراء المدَّاحين لم يأت فيه بجديد، ولم تكن له ميزة في شيء منه، ولكن ميزته في شيء وراء ذلك كله، هو أن له شخصية قوية واضحة تشبه شخصية المتنبي في كثير من نواحيها، وأن هذه الشخصية تظهر في شعره كله، في المدح وفي الهجاء وفي الغزل.
وستفهم هذه الشخصية، وترى مبلغ ظهورها في شعره حين تعرف نسبه وأخلاقه، وتقرأ ما سأعرض عليك من شعره.
أما نسبه فقد علمت أنه يتصل بأبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس جد الخلفاء الأمويين، الذين ملكوا الدنيا، وفتحوا المشرق والمغرب؛ وقد كان الشاعر معتزاً بهذا النسب لا ينساه ولا يكتمه، ولا يحجم عن أن يواجه به الخلفاء من بني العباس، وأن يفاخر به في وجودهم!