فكر ومباحث (صفحة 195)

كتب مرَّة إلى أمير المؤمنين المستظهر بالله رقعة على رأسها الخادم المعاويُّ، فغضب الخليفة وأخذ الوقعة فكشط الميم من المعاويّ وردَّها إليه ...

وكان مرَّة يمدح الخليفة المقتدي العباسىِ، ففخر أمامه بنسبه الأموي، ووازاه بنسب الخليفة، ولم يزد على أن جعل جدَّ الخليفة العباس «ساقي الحجيج» نِدّاً لجده وقريعاً، قال:

وقد ولدتني عصبة ضمَّ جدَّهم ... وجدَّ بني ساقي الحجيج عروق

وإني لأبواب الخلائف قارع ... بهم ولساحات الملوك طروق

ولم يكن يمتنع من أن يفخر بأجداده الأمويين، ويملأ الدنيا ثناء عليهم، ويفضلهم على الناس كلهم، على مسمع من العباسيين أرباب السلطان وأولياء الأمر، وأن يعرض في فخره بالدولة العباسية وزوالها، قال:

أنا ابن الأكرمين أباً وجداً ... وهم خير الورى عماً وخالاً

أشدَّهم إذا اجتلدوا قتالاً ... وأوثقهم إذا عقدوا حبالا

وأرجحهم لدى الغمزات عوداً ... إذا الخفرات خلَّين الحجالا

(إلى أن قال):

وهم فتحوا البلاد بباترات ... كأن على أغرَّتها نمالا

ولولاهم لما درَّت بفيء ... ولا أرعى بها العرب الفصالا

وقد علم القبائل أن قومي ... أعزَّهم وأكرمهم فعالا

وأصرحهم إذا انتسبوا أصولاً ... وأعظمهم إذا وهبوا سجالا

مضوا وأزال ملكهم الليالي ... وأية دولة أمنت زوالا؟

أما أخلاقه فقد كانت أخلاق الصِّيد من الملوك، لا أخلاق المدَّاح من الشعراء، فقد ذكروا أنه كان عالي الهمة، عزيز النفوس، متكبراً تيَّاهاً، ذا باو وصلف وعجب، وكان يتخذ العبيد والغلمان، ويأمر من يمشي بين يديه بالسيف فعل الملوك، وكانت له آمال سياسية، كان يرجو أن يبلغها من طريق المرتبة والولاية، فطلبها وألح في طلبها؛ فلما أيس منها عزَّى نفسه بأنه سيطلبها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015