نشرت سنة 1936
بين المعرِّي والبارودي عصر أدبي مديد قد نسي اليوم أو كاد، فمحي من برامج التعليم عندنا، وحكم عليه جملة واحدة بأنه عصر انحطاط في الأدب وجفاف في القرائح، وضعف في الإنشاء، وقحط في الرجال، وانصرف عنه الناس -إلا الخاصة من أهل الأدب- وزهدوا فيه، وارتضوا لأنفسهم الجهل به، وانقطعت الصلة بينهم وبينه، فلا تقرأ لأحد بحثاً فيه، ولا تحليلاً لشاعر من شعرائه. ولا تسمع اسم رجل من رجاله يتردد على أطراف ألسنة الخطباء، وأسلات أقلام الكتاب، كما تردد اسم بشار والبحتري والمتنبِّي والمعري، في حين أن هذا العصر الطويل قد أنجب شعراء إذا هم لم يضارعوا الفحولة السابقين، فليسوا خالين من كل مزيَّة، ولا عاطلين من كل حلية، بل إن فيهم لشعراء، زوَّدوا الأدب العربي بزاد قيم، وأورثونا أدباً جماً، وشعراً كثيراً من حقه أن يحفظ وينظم، ويدرس ويحلل. لا سيما ونحن في إبان نهضة أدبية شاملة ...
وقد أحببت أن أفتح هذا الباب في «الرسالة» لأنها اليوم بمثابة الإمام في الأدب العربي، ولأن في يدها دفَّة السفينة فهي التي توجِّهها الوجهة الصالحة إن شاء الله. ولست أسوق هذه الكلمة على أنها دراسة كاملة لهذا الشاعر. ولكن على أنها كلمة موجزة عن نفسيته وشعره، بمناسبة ذكرى وفاته، علَّ هؤلاء الشعراء المنسيين يُبعثون كما بعث ابن الرومي من قبل. فيقام للأبِيَوَرْدي مهرجان كمهرجان المتنبي بمناسبة مرور ثمانية قرون على وفاته.
***