فكر ومباحث (صفحة 160)

وماذا لنا لولا شاعرا الإسلام وعلما الشعر؛ حسان الأول (ابن ثابت) وحسان الأخير (شوقي)؟

...

أما أن يكون هذا الأدب الإقليمي علماً ويكون منبع التاريخ الاجتماعي واضح لا يحتاج إلى دليل، وذلك أننا (نحن العرب خاصة) في أشد الحاجة إلى الأدب. لأن تاريخنا العلمي والاجتماعي. لم يكتب بعد ولم يفرد بالتأليف، بل ظلَّ متفرقاً في ثنايا القصص الأدبية والأخبار والتراجم، يحتاج إلى الاستقراء الشامل والتقاط هذه النتف وتنظيمها واستنتاج المعلومات منها، على نحو ما فعل المستشرقون وليس هذا الأمر بالسهل الميسور، كما أنه ليس بالصعب المتعذر. وإني لأذكر أنَّا كنا نقرأ السنة الماضية (أنا والطلاب) قصة من كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي، يتحدث فيها الفضل بن الربيع عما جرى له في اختفائه واشتداد المأمون في طلبه، فمر في القصة أن جندياً طلبه ففر منه حتى أدركه على الجسر وهمَّ بالقبض عليه فمن حلاوة الروح دفعه فسقط هو ودابته في بعض سفن الجسر. فوقفت وساءلت الطلاب أي شيء هذه السفن؟ إنها لا تعدو أن تكون سفناً عادية تكون تحت الجسر فأضيفت إليه، وهذا مقبول ولكنه بعيد، وأقرب منه أن تكون السفن لا صقة بالجسر، بمعنى أنه قائم عليها وهذا أقرب، أفلا يكون معنى هذا الفرض إذا صحَّ أن الجسر كان من زمان المأمون (كما هو الآن) (?) قائماً على عوامات، أي كان جسراً متنقلاً؟ أحسب أنه لا شك في ذلك. وأن المسألة من الوضوح بمكان. وعلى هذا لم أجد من ذكر هذه المسألة بالنص من المؤرخين.

ووجدنا في هذه القصة، أن الفضل عرف الجندي لأنه من الذين كانوا ينوبون في داره أيام وزارته، ففهمنا من ذلك أن الوزراء إذا تولَّوا الوزارة، قام على أبوابهم حرس يحرسون بالنوبة، على نحو ما عليه الحال اليوم، وهذه المسألة على ضآلتها قد تفيد المشتغلين بأوضاع الحكومة الإسلامية، ولم أجد من نص عليها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015