فكر ومباحث (صفحة 136)

«والفتح الإسلامي» أعظم الحوادث التاريخية كلها، في أبواب العظمة كلها، لا يدانيه في ذلك حادث في تاريخ الشرق والغرب، القديم منه والحديث.

أما في الحروب فإن التاريخ يعرف كثيراً من الفاتحين، منذ عهد الإسكندر ومن قبل الإسكندر، إلى عهد نابليون ومن بعد نابليون، ولكنه لم يعرف فتحاً أوسع ولا أسرع من «الفتح الإسلامي» الذي امتدَّ في اثني عشر عاماً فقط من طرابلس الغرب إلى آخر بلاد العجم، وحاز مصر وسورية وفارس كلها ... على أن ميزة الفتح الإسلامي ليست في السعَة والسرعة وحدهما، ولكن ميزته الكبرى أنه فتح أبدي، فلم يعرف عن المسلمين أنهم دخلوا بلاداً وخرجوا منها (?)؛ ذلك أنهم لايفتحون البلاد بسيوفهم شأن كل الفاتحين، ولكنهم يفتحون القلوب والعقول، بعدلهم وعلمهم، فلا تلبث البلاد المفتوحة أن تندمج بالمسلمين، وتصبح أغير على الإسلام من المسلمين الفاتحين، بينما ترى البلاد التي فتحها غيرهم تبقى خاضعة لهم ما بقي السيف مصلتاً فوق رؤوس أهلها، فإذا أحسوا من الفاتحين غرَّة، وآنسوا منهم ضعفاً وثبوا عليهم فطردوهم، وعادوا إلى ما كانوا عليه، حتى أن أميركا على رغم أنها كانت خالية إلا من قبائل لا شأن لها، وليس فيها دين يناوئ ديناً، أو عادات تصادم عادات، وعلى رغم أن أهلها الذين استعمروها إنكليز كالإنكليز الحاكمين، فإنهم وثبوا عليهم وحاربوهم حتى نالوا استقلالهم؛ ولا تجد اليوم أميركياً واحداً يريد الانضمام إلى إنكلترا (الأم الكبرى)، بينما تجد كل مسلم في الصين أو الهند أو جاوا أو القسطنطينية -كل مسلم صحيح- يتحسَّر على الوحدة الإسلامية -ويسعى إليها- ولا يقبل بها بديلاً، على رغم ما أحدثوا لهم من كذبة القوميات وبدعة الوطنيات، وما أقاموا بين الإخوان من سدود، وما فصلوا به بينهم من حدود، وما مرَّ على هذه التفرقة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015