فكر ومباحث (صفحة 127)

ومنهم من كان يتوسَّل بطريف الوسائل للدخول بعد الحجاب. ولا يتسع المجال إلا لإشارة منها إلى بعض هذه الأخبار فمن ذلك قصة إسحاق مع المأمون، لما توسَّل إليه بأبياته الدالية المشهورة، وقصة الرجل الذي كتب بيتاً على خشبة وأجراها في الساقية إلى معن بن زائدة، وقصة الأعرابي الذي سخر من حاجب عبد الملك لما فسَّر له (إذا الأرطي توسَّد أبرديه) بأن ذلك صفة البطِّيخ الرمسي، وقصة الرجل الذي أبى الحاجب أن يدخله إلا إذا أعطاه نصف جائزته، فلما خيَّره الأمير في الجائزة طلب أن يضرب مئة مقرعة ليأخذ الحاجب نصفها، والأخبار كثيرة مستفيضة بها كتب الأدب.

وكان للخلفاء الأمويين والعباسيين مع ذلك أيام يفتح فيها الباب للجمهور وأيام يجلسون فيها للمظالم ويسمعون الشكايات من كل شاك.

والخلاصة أن الدين والعقل، يمنعان الناس من أن يدخلوا على الأمير، أو الموظف، في كل وقت، فيمنعوه من عمله، ويحرموه من راحته، ويمنعان الأمير أو الموظف، من أن يغلق دائماً بابه، وينصب بوَّابه، فلا يراه أحد ولا يصل إليه، ويوجب أن يخصِّص وقتاً للمراجعة، وأن يكون للمراجع المسكين، والمرأة الفقيرة، من وجهه ومجلسه مثل ما يكون للغني والقوي وذي السلطان، وأن يعلم أن شدَّة الحجاب تورث العداوة والبغضاء وغضب الناس وسخط الله:

إذا كان الكريم له حجاب ... فما فضل الكريم على اللئيم

***

طور بواسطة نورين ميديا © 2015