فكر ومباحث (صفحة 116)

وقد فصَّل الحنفية فذكروا أن القضاء من فروض الكفاية، وأن طلبه تعتريه الأحكام الخمسة، فيكون واجباً إذا لم يكن في الأمة من يصلح له إلا واحد، فطلب القضاء واجب على ذلك الواحد. ويكون مستحبّاً إن كان فيها صالحون ولكنه أصلح منهم، ومباحاً إن كان صالحاً له ويصلح له غيره، ومكروهاً إن كان غيره أصلح منه. وطلب القضاء حرام على من يعلم من نفسه أنه عاجز عنه لرهله وقلة علمه، أو لأنَّ من طبعه الميل مع الهوى، ومجاراة الناس، واتِّباع المغريات.

...

وليس كل طالب للقضاء يُولَّاه، وما عمل من أعمال الدولة إلا لتولِّيه شروط، ولأهله صفات، باجتماعها تكون التولية، وبانتفائها يكون الرد، يعملون بها اليوم في بلادنا حيناً وتهمل أحياناً، خطأً أو عمداً، فتوسد الأعمال إلى غير أهلها، ويدخل فيها غير مستحقيها. أما القضاء عندنا، فباب الدخول إليه أضيق وشروطه أشد، ولولا ثغرة كانت (?) ربما ولج منها الضامر الهزيل الذي يمرُّ من هذا الشق، فإذا صار من داخل ترعرع وسمن وصار من أرباب المكان وخلاصة السكان، فإذا عدونا ذلك لم نجد في أصول تقليد القضاء عندنا مغمزاً.

وتعالوا قابلوا بين شرائط تقليد القضاء اليوم، وقد نصَّ عليها القرار ذو الرقم 238 وبين ما اشترطه الفقهاء في القاضي تروا أمرها من أمره قريب، فقد شرط القرار أن يكون القاضي سورياً، لأن القضاء مظهر من مظاهر السيادة، وأداة من أدوات السلطان، فهو يوسد إلى أبناء البلد تثبيتاً لسيادتها وتقوية لسلطانها. وشرط الفقهاء أن يكون مسلماً، لأن الجنسية عند المسلمين هي الدين، وقد منعوا سماع شهادة غير المسلم على المسلم، لأنها ولاية، والله تعالى يقول: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً}، والقضاء بذلك المنع أولى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015