فكر ومباحث (صفحة 117)

واشترط القرار ألا يكون القاضي محكوماً بعقوبة شائنة، وأن يكون فاضل الخلق، واشترط الفقهاء العدالة فيه، وإن ذهب الحنفية إلى صحَّة ولاية الفاسق إن لم يجاوز في أحكامه حدَّ الشرع مع تأثيم من يولِّي فاسقاً.

واتفق القانون والشرع على اشتراط صحة الحواسِّ في القاضي، لأن بها تمييز ما بين الخصوم، وتمييز المحقِّ من المبطل، وعلى اشتراط الذكورة في القاضي، ولم يجوَّز القانون تقليد امرأة القضاء بين الناس، وقد قال أبو حنيفة، رحمه الله، بجواز تقليدها القضاء فيما تصحُّ به شهادتها، أي في الشرعيَّات والمدنيَّات دون الجنائيات، فمن لي بإفهام هؤلاء الذي يسمُّون أنفسهم أنصار المرأة أن الشرع أعطاها أكثر مما يطلبون لها، وأن مذهبهم يقوم على واحد من شيئين: إما الغفلة وابتغاء ما لا يكون أبداً من تساوي المرأة بالرجل، وإما المجانة واتخاذ هذه الدعوة مطيَّة يبلغون بها حاجات في نفوسهم.

ولم يَرْوِ لنا التاريخ خلال هذه العصور الطويلة أن امرأة وليت القضاء ولا يكاد يسيغ العقل ذلك ولا الطبع يألفه، وقد قال الله تعالى: {الرجال قوَّامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض}؛ وفسَّروا الفضل بأنه العقل والدين.

واتفقت قوانين اليوم وأحكام الفقه على اشتراط العلم في القاضي؛ غير أن القانون أوجب نيله ليسانس الحقوق قاضياً شرعياً كان أو مدنياً.

وأكثر الفقهاء شرطوا في القاضي أن يكون من أهل الاجتهاد، واحتجُّوا بحديث معاذ حين أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال له: بِمَ تحكم؟ قال بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنَّة رسول الله. قال: فإن أتجد؟ قال: أجتهد رأيي، فارتضى ذلك رسول الله، وقال: الحمد لله الذي وفَّق رسولَ رسولِ الله إلى ما يرضي رسوله (?)؛ واحتجوا بأنه عليه الصلاة والسلام كان يجتهد فيما لم يُوحَ إليه حكمه، ويقضي باجتهاده (ولكن الله لا يقرُّه على الخطأ)، وأن الاجتهاد كان جائزاً للصحابة في حياة النبي عليه الصلاة والسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015