وينبغي للمفتي أن يتفطن من مقصود السائل، ويستفصل عما يحتاج إلى استفصال، فعند التفصيل يحصل التحصيل، وإجمال الفتوى عند الحاجة إلى التفصيل يجعل الحكم واحدًا لصور مختلفة تختلف الفتوى باختلافها، فيكون المفتي مجيبًا بغير الصواب.
يَلزم المتصدرَ للفتيا أن يتثبت ويتحرى ويتأنى في النظر للمسألة من جميع جوانبها؛ لأن النظر القاصر ينشأ عنه من الغلط والوهم ما يُفسد الأديان ويُضَلُّ به بنو الإنسان، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: "من أُفتي بغير علم -وفي رواية: بفتيا غير ثبت- كان إثمه على من أفتاه" (?).
وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يُسأل عن المسألة فيتفكر فيها شهرًا، ثم يقول: "اللهم إن كان صوابًا فمن عندك، وإن كان خطأ فمن ابن مسعود" (?)، وقال -رضي الله عنه-: "من أفتى الناس في كل ما يسألونه فهو مجنون" (?).
وقال الإمام مالك بن أنس -رحمه الله-: "إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة فما اتفق لي فيها رأي إلى الآن"، وقال أيضًا: "ربما وردت عليَّ المسألة فأفكر فيها ليالي" (?).
كما أن من لوازم التثبت سؤالَ أهل الاختصاص فيما يتعلق بعلومهم، كأهل الطب والفلك والاقتصاد ونحوها؛ عملًا بقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7].